الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ} (13)

{ مّن ذَكَرٍ وأنثى } من آدم وحوّاء . وقيل : خلقنا كل واحد منكم من أب وأمّ ، فما منكم أحد إلا وهو يدلي بمثل ما يدلى به الآخر سواء بسواء ، فلا وجه للتفاخر والتفاضل في النسب . والشعب : الطبقة الأولى من الطبقات الست التي عليها العرب ، وهي : الشعب ، والقبيلة ، والعمارة ، والبطن ، والفخذ ، والفصيلة ؛ فالشعب يجمع القبائل ، والقبيلة تجمع العمائر ، والعمارة تجمع البطون ، والبطن تجمع الأفخاذ ، والفخذ تجمع الفصائل : خزيمة شعب ، وكنانة قبيلة ، وقريش عمارة ، وقصى بطن ، وهاشم فخذ ، والعباس فصيلة ، وسميت الشعوب ؛ لأنّ القبائل تشعبت منها . وقرىء : «لتتعارفوا » ولتعارفوا بالإدغام . ولتعرفوا ، أي لتعلموا كيف تتناسبون . ولتتعرفوا . والمعنى : أن الحكمة التي من أجلها رتبكم على شعوب وقبائل هي أن يعرف بعضكم نسب بعض . فلا يعتزى إلى غير آبائه ، لا أن تتفاخروا بالآباء والأجداد ، وتدعوا التفاوت والتفاضل في الأنساب . ثم بين الخصلة التي بها يفضل الإنسان غيره ويكتسب الشرف والكرم عند الله تعالى فقال : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم } وقرىء : «أنّ » بالفتح ، كأنه قيل : لم لا يتفاخر بالأنساب ؟ فقيل : لأنّ أكرمكم عند الله أتقاكم لا أنسبكم . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه طاف يوم فتح مكة ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : " الحمد لله الذي أذهب عنكم عبية الجاهلية وتكبرها ، يا أيها الناس ، إنما الناس رجلان : مؤمن تقي كريم على الله ، وفاجر شقيّ هين على الله " ثم قرأ الآية . وعنه عليه السلام : " من سرّه أن يكون أكرم الناس فليتق الله " وعن ابن عباس : كرم الدنيا الغني ، وكرم الآخرة التقوى . وعو يزيد بن شجرة : مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في سوق المدينة فرأى غلاماً أسود يقول : من اشتراني فعلى شرط لا يمنعني عن الصلوات الخمس خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، فاشتراه رجل فكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يراه عند كل صلاة ، ففقده يوماً فسأل عنه صاحبه ، فقال : محموم ، فعاده ثم سأل عنه بعد ثلاثة أيام فقال : هو لما به ، فجاءه وهو في دمائه . فتولى غسله ودفنه ، فدخل على المهاجرين والأنصار أمر عظيم ، فنزلت .