لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ} (13)

قوله جلّ ذكره : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن ذَكّرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } .

إنَّا خلقناكم أجمعكم من آدمَ وحواء ، ثم جعلناكم شعوباً وقبائلَ لتعارفوا لا لتُكَاثروا ولا لتنافسوا . فإذا كانت الأصولُ تربةً ونطفةً وعَلَقَةً . . فالتفاخر بماذا ؟ أبا لحمأ المسنون ؟ أم بالنطفة في قرار مكين ؟ أم بما ينطوي عليه ظاهرك مما تعرفه ؟ ! وقد قيل :

إِنَّ آثارَنا تَدُل علينا *** فانْظُروا بَعْدَنا إلى الآثارِ

أم بأفعالك التي هي بالرياء مَشُوبة ؟ أم بأحوالك التي هي بالإعجاب مصحوبة ؟ أم بمعاملاتك التي هي ملأى بالخيانة ؟

{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِند اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } ؟ أتقاكم أي أَبْعَدكم عن نَفْسِه ، فالتقوى هي التحرُّر من النفس وأطماعها وحظوظها . فأكرمُ العبادِ عند اللَّهِ مَنْ كان أَبْعد عن نَفْسِه وأَقرَبَ إلى الله تعالى .