البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ} (13)

الشعب : الطبقة الأولى من الطبقات الست التي عليها العرب وهي : الشعب ، والقبيلة ، والعمارة ، والبطن ، والفخذ ، والفصيلة . فالشعب يجمع القبائل ؛ والقبيلة تجمع العمائر ؛ والعمارة تجمع البطون ؛ والبطن يجمع الأفخاذ ؛ والفخذ يجمع الفصائل . خزيمة شعب ؛ وكنانة قبيلة ؛ وقريش عمارة ؛ وقصي بطن ؛ وهاشم فخذ ؛ والعباس فصيلة . وسميت الشعوب ، لأن القبائل تشعبت منها . وروي عن ابن عباس : الشعوب : البطون ، هذا غير ما تمالأ عليه أهل اللغة ، ويأتي خلاف في ذلك عند قوله : { وَجَعَلْنَكُمْ شُعُوباً } . القبيلة دون الشعب ، شبهت بقبائل الرأس لأنها قطع تقابلت .

قيل : غضب الحارث بن هشام وعتاب بن أسيد حين أذن بلال يوم فتح مكة على الكعبة ، فنزلت .

وعن ابن عباس ، سببها قول ثابت بن قيس لرجل لم يفسح له عند النبي صلى الله عليه وسلم : يا ابن فلانة ؛ فوبخه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : «إنك لا تفضل أحداً إلا في الدين والتقوى » .

ونزل الأمر بالتفسح في ذلك أيضاً .

{ من ذكر وأنثى } : أي من آدم وحواء ، أو كل أحد منكم من أب وأم ، فكل واحد منكم مساوٍ للآخر في ذلك الوجه ، فلا وجه للتفاخر .

{ وجعلناكم شعوباً وقبائل } : وتقدم الكلام على شيء من ذلك في المفرادت .

وقيل : الشعوب في العجم والقبائل في العرب ، والأسباط في بني إسرائيل .

وقيل : الشعوب : عرب اليمن من قحطان ، والقبائل : ربيعة ومضر وسائر عدنان .

وقال قتادة ، ومجاهد ، والضحاك : الشعب : النسب الأبعد ، والقبيلة : الأقرب ، قال الشاعر :

قبائل من شعوب ليس فيهم *** كريم قد يعدّ ولا نجيب

وقيل : الشعوب : الموالي ، والقبائل : العرب .

وقال أبو روق : الشعوب : الذين ينسبون إلى المدائن والقرى ، والقبائل : الذين ينسبون إلى آبائهم . انتهى .

وواحد الشعوب شعب ، بفتح الشين .

وشعب : بطن من همدان ينسب إليه عامر الشعبي من سادات التابعين ، والنسب إلى الشعوب شعوبية ، بفتح الشين ، وهم الأمم التي ليست بعرب .

وقيل : هم الذين يفضلون العجم على العرب ، وكان أبو عبيدة خارجياً شعوبياً ، وله كتاب في مناقب العرب ، ولابن غرسبة رسالة فصيحة في تفضيل العجم على العرب ، وقد رد عليه ذلك علماء الأندلس برسائل عديدة .

وقرأ الجمهور : { لتعارفوا } ، مضارع تعارف ، محذوف التاء ؛ والأعمش : بتاءين ؛ ومجاهد ، وابن كثير في رواية ، وابن محيصن : بإدغام التاء في التاء ؛ وابن عباس ، وأبان عن عاصم : لتعرفوا ، مضارع عرف ؛ والمعنى : أنكم جعلكم الله تعالى ما ذكر ، كي يعرف بعضكم بعضاً في النسب ، فلا ينتمي إلى غير آبائه ، لا التفاخر بالآباء والأجداد ، ودعوى التفاضل ، وهي التقوى .

وفي خطبته عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة : " إنما الناس رجلان ، مؤمن تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين على الله " ، ثم قرأ الآية .

وعنه صلى الله عليه وسلم : " من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله " وما زال التفاخر بالأنساب في الجاهلية والإسلام ، وبالبلاد ، وبالبلاد وبالمذاهب وبالعلوم وبالصنائع ، وأكثره بالأنساب :

وأعجب شيء إلى عاقل *** فروع عن المجد مستأخره

إذا سئلوا ما لهم من علا *** أشاروا إلى أعظم ناخره

ومن ذلك : افتخار أولاد مشايخ الزوايا الصوفية بآبائهم ، واحترام الناس لهم بذلك وتعظيمهم لهم ، وإن كان الأولاد بخلاف الآباء في الدين والصلاح .

وقرأ الجمهور : إن ، بكسر الهمزة ؛ وابن عباس : بفتحها ، وكان قرأ : لتعرفوا ، مضارع عرف ، فاحتمل أن تكون أن معمولة لتعرفوا ، وتكون اللام في لتعرفوا لام الأمر ، وهو أجود من حيث المعنى .

وأما إن كانت لام كي ، فلا يظهر المعنى أن جعلهم شعوباً وقبائل لأن تعرفوا أن الأكرم هو الأتقى .

فإن جعلت مفعول لتعرفوا محذوفاً ، أي لتعرفوا الحق ، لأن أكرمكم عند الله أتقاكم ، ساغ في لام لتعارفوا أن تكون لام كي .