الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ} (13)

وقوله تعالى : { يأَيُّهَا الناس إِنَّا خلقناكم مِّن ذَكَرٍ وأنثى } الآية : المعنى : يأيها الناس ، أَنتم سواء من حيثُ أنتم مخلوقون ، وإنَّما جعلتم قبائل ؛ لأَنْ تتعارفوا ، أوْ لأَنْ تعرفوا الحَقَائِقَ ، وَأَمَّا الشرفُ والكرمُ فهو بتقوى اللَّه تعالى وسلامة القلوب ، وقرأ ابن مسعود : ( لِتَعَارَفُوا بَيْنَكُمْ وَخَيْرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) وقرأ ابن عباس : ( لِتَعْرِفُوا أَنَّ ) عَلَى وزن تَفْعَلُوا بكسر العين وبفتح الهمزة من أَنَّ ، وَرُوِيَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَكْرَمَ النَّاسِ ، فَلْيَتَّقِ اللَّه " وأَمَّا الشعوب فهو جمع شَعْبٍ ، وهو أعظم ما يوجد من جماعات الناس مرتبطاً بنسب واحد ؛ كمُضَرٍ ورَبِيعَةَ وحِمْيَرَ ، ويتلوه القبيلة ، ثم العمارة ، ثم البطن ، ثم الفخذ ، ثم الفصيلة ، والأسرة وهما قرابة الرجل الأَدْنَوْنَ ، ثم نَبَّهَ سبحانه على الحذر بقوله : { إِنَّ الله عَلَيمٌ خَبِيرٌ } أي : بالمتقي الذي يستحق رُتْبَةَ الكرم ، وَخرَّج مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال : " إنَّ اللَّهَ أوحى إلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا ؛ حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ على أَحَدٍ وَلاَ يَبْغِي أَحَدٌ على أَحَدٍ " وروى أبو داودَ والتِّرْمِذِيُّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال : " لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ ، إنَّما هُمْ فَحْمٌ مِنْ جَهَنَّمَ أوْ لَيَكُونُنَّ عَلَى اللَّهِ أَهْوَنَ مِنَ الجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الخُرَاءَ بِأَنْفِهِ ، إنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا ؛ إنَّما هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ ، أوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ ، كُلُّكُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ " انتهى . ونقله البغويُّ في «مصابيحه » .