بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ} (13)

قوله تعالى : { يا أَيُّهَا الناس } قال مقاتل : وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة ، أمر بلالاً ليؤذن . فقال الحارث بن هشام . أما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير هذا الغراب . يعني : بلال . فنزل { يا أَيُّهَا الناس } { إِنَّا خلقناكم مّن ذَكَرٍ وأنثى } يعني : آدم وحواء { وجعلناكم شُعُوباً وَقَبَائِلَ } يعني : رؤوس القبائل ، مثل مضر ، وربيعة { وَقَبَائِلَ } يعني : الأفخاذ مثل بني سعد ، وبني عامر .

{ لتعارفوا } في النسب { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم } يعني : وإن كان عبداً حبشياً أسود مثل بلال . وقال في رواية الكلبي : نزلت في ثابت بن قيس ، كان في أذنيه ثقل ، وكان يدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسمع كلامه فأبطأ يوماً واحداً وقد أخذ الناس مجالسهم فجاء فتخطى رقابهم حتى جلس قريباً من النبي صلى الله عليه وسلم . فقال رجل من القوم : هذا يتخطى رقابنا ، فلم لا يجلس حيث وجد المكان ؟ فقال ثابت : من هذا ؟ فقالوا : فلان . فقال ثابت : يا ابن فلانة ، وكان يعيّر بأمه ، فخجل . فنزلت هذه الآية . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «مَنْ عَيَّرَ فُلاناً بِأُمِّهِ » فقال ثابت بن قيس : أنا قد ذكرت شيئاً . فقرأ هذه الآية عليه ، فاستغفر ثابت . وروى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : القبائل ، والأفخاذ : الصغار ، والشعوب : الجمهور مثل مضر . وقال الضحاك : الشعوب : الأفخاذ الصغار ، والقبائل مثل بني تميم ، وبني أسد . وقال القتبي : الشعوب أكثر من القبيلة . وقال الزجاج : الشعب أعظم من القبيلة ، ومعناه : إني لم أخلقكم شعوباً وقبائل لتتفاخروا ، وإنما خلقناكم كذلك لتعارفوا . روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، يقولُ الله عَزَّ وَجَلَّ : إنَّكُمْ جَعَلْتُمْ لأنْفُسِكُمْ نَسَباً ، وَجَعَلْتُ لِنَفْسِي نَسَباً ، فَرفَعْتُم نَسَبَكُم ، وَوَضَعْتُمْ نَسَبي ، فَالْيَوْمَ أَرْفَعُ نَسَبِي ، وَأَضَعُ نَسَبَكُم . يعني : قلت : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم } وقلتم : أنتم فلان وفلان » .

ثم قال : { إِنَّ الله عَلِيمٌ } بأتقيائكم { خَبِيرٌ } بافتخاركم