الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ} (13)

قوله : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } إلى آخر السورة الآيات [ 13-18 ] .

أي : خلقناكم من آدم وحواء ، يعني من ماء ذكر وماء {[64466]} أنثى .

قال مجاهد : خلق الله عز وجل {[64467]} الولد من ماء الرجل وماء المرأة {[64468]} .

ثم قال : { وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا } .

أي : وجعلناكم متناسبين يناسب بعضكم بعضا فيعرف بعضكم بعضا ، فيقال فلان ابن فلان من بني فلان فيعرف {[64469]} قرب نسبه من بعده فالأفخاذ {[64470]} أقرب [ من القبائل والقبائل أقرب ] {[64471]} من الشعوب .

قال مجاهد : شعوبا هو النسب البعيد ، والقبائل {[64472]} دون ذلك {[64473]} .

وكذلك قال قتادة والضحاك {[64474]} .

قال ابن عباس : الشعوب الجماع ، والقبائل البطون {[64475]} .

وقال ابن جبير : الشعوب {[64476]} الجمهور ، والقبائل {[64477]} الأفخاذ {[64478]} .

وواحد الشعوب شعب بالفتح {[64479]} ، والشعب عند أهل اللغة : الجمهور مثل مضر تقسمت وتفرقت ، ثم يليه {[64480]} القبيلة لأنها يقابل بعضها بعضا ، ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ وهو أقربها .

وقيل {[64481]} : إن الشعوب الموالي ، والقبائل العرب {[64482]} .

ثم قال : { إن أكرمكم عند الله أثقاكم } .

أي : أفضلكم عند الله أتقاكم لارتكاب ما نهى الله سبحانه {[64483]} عنه ، وأعمالكم لما أمر الله تعالى {[64484]} به ليس بأنسابكم إنما الفضل لمن كثر تقاه .

قال النبي صلى الله عليه وسلم وقد سأل عن غير الناس فقال : " آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم وأتقاهم {[64485]} " .

قال أبو هريرة : ينادي {[64486]} مناد يوم القيامة إنا جعلنا نسبا وجعلتم نسبا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ليقم {[64487]} المتقون ، فلا يقوم إلا من كان كذلك {[64488]} . {[64489]}

وعن النبي صلى الله عليه وسلم {[64490]} أنه قال : " أخير الناس من طال عمره وحسن عمله {[64491]} " .

وروي عن ابن عباس أنه قرأ : " لتعرفوا أن أكرمكم عند الله {[64492]} بفتح " أن " وتعرفوا على مقال تضربوا ، على معنى جعلهم شعوبا وقبائل لكي يعرفوا أن أكرمهم {[64493]} عند الله أتقاهم {[64494]} ، ومجاز القراءة : جعلهم كذلك ليعرفوا أنسابهم ؛ لأن أكرمهم عند الله أتقاهم ؛ لأن : " تعرفوا " عملت في : " أن " لأنه {[64495]} لم يجعلهم شعوبا وقبائل ليعرفوا {[64496]} أن أكرمهم عند الله أتقاهم ، إنما جعلهم كذلك ليعرفوا أنسابهم .

وكسر " أن " أولى وأتم {[64497]} في المعنى المقصود إليه بالآية {[64498]} .

ثم قال : { إن الله عليم خبير } .

أي : ذو علم ، بأتقاكم {[64499]} عنده وأكرمكم ، وذو خبر بكم وبمصالحكم .


[64466]:ع: "وما".
[64467]:ساقط من ع.
[64468]:انظر: تفسير مجاهد 612 وجامع البيان 26/88، والدر المنثور 7/578.
[64469]:ح: "فيعرفون".
[64470]:ع: "فالأفخاذ" وهو تحريف.
[64471]:ساقط من ح.
[64472]:ح: "وقبائل".
[64473]:انظر: تفسير مجاهد 612، وجامع البيان 26/88، وتفسير القرطبي 16/344.
[64474]:انظر: جامع البيان 26/88، وتفسير القرطبي 16/344.
[64475]:انظر: جامع البيان 26/88، والدر المنثور 7/579.
[64476]:ساقط من ع.
[64477]:ع: "وقبائل".
[64478]:انظر: تفسير سفيان الثوري 279، وجامع البيان 26/88.
[64479]:انظر: العمدة 278، وغريب القرآن وتفسيره 165، وتفسير الغريب 416.
[64480]:ع: "تليه" وانظر: تفسير الغريب 416.
[64481]:ع: "وقد قيل".
[64482]:انظر: العمدة 278، والكشاف للزمخشري 4/16، وتفسير القرطبي 16/344. والبحر المحيط 8/116. وراجع لسان العرب 2/320، وتاج العروس 1/318، ومختار الصحاح 338.
[64483]:ساقط من ع، وانظر: تأويل مشكل القرآن 377.
[64484]:ساقط من ع.
[64485]:أخرجه أحمد في مسنده عن درة بنت أبي لهب 6/433، والسيوطي في الجامع الصغير 1/622.
[64486]:ح: "يناد".
[64487]:ع: "ليقوم".
[64488]:ح: "ذلك".
[64489]:انظر: تفسير القرطبي 16/345، والدر المنثور 7/580.
[64490]:ع: "عليه السلام".
[64491]:أخرجه أحمد في مسنده 5/40 -43 -47- 48 – 50-59. والدارمي في الرقاق، باب: أي المؤمنين خير 2/308. والترمذي – باب: ما جاء في طول العمر للمؤمن عن عبد الله بن قيس 3/387، (رقم الحديث 2431). والبغوي في شرح السنة، كتاب: الرقاق، باب: استحباب طول العمر للطاعة، وتمني المال للخير 14/288.
[64492]:ساقط من ع.
[64493]:ع: "أكرمكم".
[64494]:انظر: المحتسب 2/280.
[64495]:ع: "لأنهم".
[64496]:ع: "لتعرفوا".
[64497]:ع: "وأثم": وهو تصحيف.
[64498]:جاء في البحر المحيط 8/116 "... وقرأ الجمهور "لتعارفوا" مضارع تعارف محذوف التاء والأعمش بتاءين ومجاهد وابن كثير في رواية وابن محيمن بإدغام التاء في التاء وابن عباس وأبان عن عاصم لتعرفوا مضارع عرف والمعنى أنكم جعلكم الله تعالى ما ذكر كي يعرف لبعضكم بعضا في النسب فلا ينتمي إلى غير آبائه لا التفاخر بالآباء والأجداد ودعوى التفاضل وهي التقوى (...) وقرأ الجمهور "إن" بكسر الهمزة وابن عباس بفتحها وكان يقرأ لتعرفوا مضارع عرف فاحتمل أن تكون أن معمولة لتعرفوا، وتكون اللام في لتعرفوا لام الأمر وهو أجود من حيث المعنى، وأما إن كانت لام كي فلا يظهر المعنى أن جعلهم شعوبا وقبائل لأن تعرفوا أن الأكرم هو الأتقى فإن جعلت مفعول "لتعرفوا" محذوفا، أي لتعرفوا الحق لأن أكرمكم عند الله أتقاكم ساغ في لام "لتعارفوا" أن تكون لام كي".
[64499]:ع: "أتقاكم".