الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ} (13)

أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن أبي مليكة قال : لما كان يوم الفتح رقي بلال فأذن على الكعبة ، فقال بعض الناس : هذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة ، وقال بعضهم : إن يسخط الله هذا يغيره ، فنزلت { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } الآية .

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج وابن مردويه والبيهقي في سننه عن الزهري قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني بياضة أن يزوّجوا أبا هند امرأة منهم ، فقالوا : يا رسول الله أتزوّج بناتنا موالينا ؟ فأنزل الله { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } الآية . قال الزهري : نزلت في أبي هند خاصة . قال : وكان أبو هند حجام النبي صلى الله عليه وسلم .

وأخرج ابن مردويه من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنكحوا أبا هند وانكحوا إليه » قالت : ونزلت { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } الآية .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال : ما خلق الله الولد إلا من نطفة الرجل والمرأة جميعاً ، وذلك أن الله يقول : { إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } .

وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب أن هذه الآية في الحجرات { إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } هي مكية وهي للعرب خاصة الموالي أي قبيلة لهم وأي شعاب ، وقوله { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } قال : أتقاكم للشرك .

وأخرج البخاري وابن جرير عن ابن عباس { وجعلناكم شعوباً وقبائل } قال : الشعوب القبائل العظام ، والقبائل البطون .

وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الشعوب الجماع ، والقبائل الأفخاذ التي يتعارفون بها .

وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن ابن عباس { وجعلناكم شعوباً وقبائل } قال : القبائل الأفخاذ ، والشعوب الجمهور مثل مضر .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { وجعلناكم شعوباً وقبائل } قال : الشعب هو النسب البعيد ، والقبائل كما سمعته يقول فلان من بني فلان .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { وجعلناكم شعوباً } قال : النسب البعيد ، { وقبائل } قال : دون ذلك جعلنا هذا لتعرفوا فلان ابن فلان من كذا وكذا .

وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال : القبائل رؤوس القبائل ، والشعوب الفصائل والأفخاذ .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف يوم الفتح على راحلته يستلم الأركان بمحجنه ، فلما خرج لم يجد مناخاً فنزل على أيدي الرجال فخطبهم ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : «الحمد لله الذي أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتكبرها بآبائها ، الناس رجلان برٌّ تقيّ كريمٌ على الله وفاجرٌ شقيّ هّينٌ على الله ، والناس بنو آدم ، وخلق الله آدم من تراب . قال الله { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } إلى قوله { خبير } ثم قال : أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم » .

وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن جابر بن عبد الله قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق خطبة الوداع فقال : «يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد ، ألا إن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأسود على أحمر ، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، ألا هل بلغت ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : فليبلغ الشاهد الغائب » .

وأخرج البيهقي عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله أذهب نخوة الجاهلية وتكبرها بآبائها ، كلكم لآدم وحواء كطف الصاع بالصاع ، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم ، فمن أتاكم ترضون دينه وأمانته فزوجوه » .

وأخرج أحمد وابن جرير وابن مردويه والبيهقي عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن أنسابكم هذه ليست بمسيئة على أحد ، كلكم بنو آدم طف الصاع لم تملأوه ، ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين وتقوى إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة ، أكرمكم عند الله أتقاكم » .

وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إن الله يقول يوم القيامة أمرتكم فضيعتم ما عهدت إليكم ورفعتم أنسابكم فاليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم ، أين المتقون ؟ أين المتقون ؟ إن أكرمكم عند الله أتقاكم » .

وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يقول الله يوم القيامة : أيها الناس إني جعلت نسباً وجعلتم نسباً فجعلت أكرمكم عند الله أتقاكم فأبيتم إلا أن تقولوا فلان أكرم من فلان وفلان أكرم من فلان ، وإني اليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم ، ألا إن أوليائي المتقون » .

وأخرج الخطيب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إذا كان يوم القيامة أوقف العباد بين يدي الله تعالى غرلاً بهماً فيقول الله : عبادي أمرتكم فضيعتم أمري ، ورفعتم أنسابكم فتفاخرتم بها اليوم أضع أنسابكم ، أنا الملك الديّان أين المتقون ؟ أين المتقون ؟ إن أكرمكم عند الله أتقاكم » .

وأخرج ابن مردويه عن سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الناس كلهم بنو آدم ، وآدم خلق من التراب ، ولا فضل لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي ولا أحمر على أبيض ولا أبيض على أحمر إلا بالتقوى » .

وأخرج الطبراني عن حبيب بن خراش القصري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «المسلمون إخوة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى » .

وأخرج أحمد عن رجل من بني سليط قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول : «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ، التقوى ههنا ، وقال بيده إلى صدره ، وما توادَّ رجلان في الله فيفرق بينهما إلا حدث يحدث أحدهما والمحدث شر والمحدث شر والمحدث شر » .

وأخرج البخاري والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أكرم ؟ قال : «أكرمهم عند الله أتقاهم ، قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله ، قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : فعن معادن العرب تسألوني ؟ قالوا : نعم . قال : خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإِسلام إذا فقهوا » .

وأخرج أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : «أنظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى » .

وأخرج البخاري في الأدب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لا أرى أحداً يعمل بهذه الآية { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } حتى بلغ { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } فيقول الرجل للرجل أنا أكرم منك فليس أحد أكرم من أحد إلا بتقوى الله .

وأخرج البخاري في الأدب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ما تعدون الكرم وقد بين الله الكرم وأكرمكم عند الله أتقاكم ، وما تعدون الحسب أفضلكم حسباً أحسنكم خلقاً .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن درة بنت أبي لهب قالت : قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ، فقال : يا رسول الله أي الناس خير ؟ فقال : «خير الناس أقرؤهم وأتقاهم لله عز وجل وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم » .

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والطبراني والدارقطني والحاكم وصححه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «الحسب المال والكرم التقوى » .

وأخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما أعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من الدنيا ولا أعجبه أحد قط إلا ذو تقوى .

وأخرج الحكيم الترمذي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من اتقى الله أهاب الله منه كل شيء ، ومن لم يتق الله أهابه الله من كل شيء » .

وأخرج الحكيم الترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «الحياء زينة ، والتقى كرم ، وخير المركب الصبر ، وانتظار الفرج من الله عبادة » .

وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا أراد الله بعبده خيراً جعل غناه في نفسه وتقاه في قلبه ، وإذا أراد الله بعبده شراً جعل فقره بين عينيه » .

وأخرج ابن الضريس في فضائل القرآن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أوصني ، فقال : «عليك بتقوى الله فإنها جماع كل خير ، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية المسلمين ، وعليك بذكر الله وتلاوة كتاب الله فإنه نور لك في الأرض وذكر لك في السماء ، وأخزن لسانك إلا من خير فإنك بذلك تغلب الشيطان » .

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي نضرة رضي الله عنه أن رجلاً رأى أنه دخل الجنة فرأى مملوكه فوقه مثل الكوكب ، فقال والله يا رب إن هذا لمملوكي في الدنيا فما أنزله هذه المنزلة ؟ قال : هذا كان أحسن عملاً منك .

وأخرج الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ، فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر .

وأخرج البزار عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كلكم بنو آدم ، وآدم خلق من تراب ، ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان » .

وأخرج أحمد عن أبي ريحانة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزاً وكبراً فهو عاشرهم في النار » .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أربع من الجاهلية لا تتركهن أمتي : الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة » .

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اثنتان في الناس هما بهما كفر : النياحة والطعن في الأنساب » .