قوله عز وجل : { فاستجبنا له } أي : أجبناه { ونجيناه من الغم } من تلك الظلمات { وكذلك ننجي المؤمنين } من كل كرب إذا دعونا واستغاثوا بنا ، قرأ ابن عامر وعاصم برواية أبي بكر : نجي بنون واحدة وتشديد الجيم وتسكين الياء لأنها مكتوبة في المصحف بنون واحدة ، واختلف النحاة في هذه القراءة ، فذهب أكثرهم إلى أنها لحن لأنه لو كان على ما لم يسم فاعله لم تسكن الياء ورفع المؤمنون ، ومنهم من صوبها ، وذكر الفراء أن لها وجهاً آخر وهو إضمار المصدر ، أي نجا النجاة المؤمنين كقولك : ضرب الضرب زيداً ، ثم تقول ضرب زيداً بالنصب على إضمار المصدر ، وسكن الياء في نجي كما يسكنون في بقي ونحوها ، قال القتيبي : من قرأ بنون واحدة والتشديد فإنما أراد ننجي من التنجية إلا أنه أدغم وحذف نوناً طلباً للخفة ولم يرضه النحويون لبعد مخرج النون من الجيم ، والإدغام يكون عند قرب المخرج ، وقرأ العامة ( ننجي ) بنونين من الإنجاء ، وإنما كتبت بنون واحدة لأن النون الثانية كانت ساكنة والساكن غير ظاهر على اللسان فحذفت كما فعلوا في إلا حذفوا النون من إن لخفائها ، واختلفوا في أن رسالة يونس متى كانت . فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنها كانت بعد أن أخرجه الله من بطن الحوت ، بدليل أن الله عز وجل ذكره في سورة الصافات ، { فنبذناه بالعراء } ثم ذكر بعده : { وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون } وقال الآخرون : إنها كانت من قبل بدليل قوله تعالى : { وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون } .
ثم بين - سبحانه - أنه قد أجاب ليونس دعاءه فقال : { وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغم } أى : من الحزن الذى كان فيه حين التقمه الحوت وصار فى بطنه .
وقد بين - سبحانه - فى آية أخرى ، أن يونس - عليه السلام - لو لم يسبح الله لبث فى بطن الحوت إلى يوم البعث . قال - تعالى - : { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } وقوله - تعالى - : { وكذلك نُنجِي المؤمنين } بشارة لكل مؤمن يقتدى بيونس فى إخلاصه وصدق توبته ، ودعائه لربه .
أى : ومثل هذا الإنجاء الذى فعلناه مع عبدنا يونس ، ننجى عبادنا المؤمنين من كل غم ، متى صدقوا فى إيمانهم ، وأخلصوا فى دعائهم .
{ فاستجبنا له ونجيناه من الغم } بأن قذفه الحوت إلى الساحل بعد أربع ساعات كان في بطنه . وقيل ثلاثة أيام والغم غم الالتقام وقيل غم الخطيئة . { وكذلك ننجي المؤمنين } من غموم دعوا الله فيها بالإخلاص وفي الإمام : " نجي " ولذلك أخفى الجماعة النون الثانية فإنها تخفى مع حروف الفم ، وقرأ ابن عامر وأبو بكر بتشديد الجيم على أن أصله { ننجي } النون الثانية كما حذفت التاء الثانية في { تظاهرون } ، وهي وإن كانت فاء فحذفها أوقع من حذف حرف المضارعة التي لمعنى ولا يقدح فيه اختلاف حركتي النونين فإن الداعي إلى الحذف اجتماع المثلين مع تعذر الإدغام وامتناع الحذف في تتجافى لخوف اللبس . وقيل هو ماض مجهول أسند إلى ضمير المصدر وسكن آخره تخفيفا ورد بأنه لا يسند إلى المصدر والمفعول مذكور والماضي لا يسكن آخره .
فاستجاب الله تعالى له وأخرجه إلى البر ، ووصف هذا يأتي في موضعه ، و { الغم } ما كان ناله حين التقمه الحوت ، وقرأ الجمهور القراء «ننْجي » بنونين الثانية ساكنة ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر «نُجي » بنون واحدة مضمونة وشد الجيم ، ورويت عن أبي عمرو ، وقرأت فرقة «نُنَجّي » بنونين الأولى مضمونة والثانية مفتوحة والجيم مشددة ، فأما القراءة الأولى والثالثة فبينتان الأولى فعلها معدى بالهمزة والأخرى بالتضعيف ، وأَما القراءة الوسطى التي هي بنون واحدة مضمونة وجيم مشددة وياء ساكنة فقال أَبو علي لا وجه لها وإنما هي وهم من السامع ، وذلك أن عاصماً قرأ «ننجي » والنون الثانية لا يجوز إظهارها لأنها تخفى مع هذه الحروف يعني الجيم وما جرى مجراها فجاء الإخفاء يشبهها بالإدغام ، ويمتنع أن يكون الأصل «ننجي » ثم يدعو اجتماع النونين إلى إدغام إحداهما في الجيم لأَن اجتماع المثلين إنما يدعو إلى ذلك إذا كانت الحركة فيهما متفقة ، ويمتنع أَن يكون الأصل «نجي » وتسكن الياء ويكون المفعول الذي لم يسم فاعله المصدر كأنه قال «نجي » النجاء المؤمنين لأن هذه لا تجيء إلا في ضرورة فليست في كتاب الله والشاهد فيها قول الشاعر : [ الوافر ]
ولو ولدت قفيزة جرو كلب . . . لسب بذلك الجرو الكلابا{[8272]}
وأيضاً فإن الفعل الذي يبنى للمفعول إذا كان ماضياً لم يسكن آخره ع والمصاحف فيها نون واحدة كتبت كذلك من حيث النون الثانية مخفية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.