البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (88)

وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم : « ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلاّ استجيب له » و { الغم } ما كان ناله حين التقمه الحوت ومدة بقائه في بطنه .

وقرأ الجمهور : { ننجي } مضارع أنجى ، والجحدري مشدداً مضارع نجّى .

وقرأ ابن عامر وأبو بكر نجى بنون مضمومة وجيم مشددة وياء ساكنة ، وكذلك هي في مصحف الإمام ومصاحف الأمصار بنون واحدة ، واختارها أبو عبيد لموافقة المصاحف فقال الزجّاج والفارسي هي لحن .

وقيل : هي مضارع أدغمت النون في الجيم ورد بأنه لا يجوز إدغام النون في الجيم التي هي فاء الفعل لاجتماع المثلين كما حذفت في قراءة من قرأ ونزل الملائكة يريد وننزل الملائكة ، وعلى هذا أخرجها أبو الفتح .

وقيل : هي فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله وسكنت الياء كما سكنها من قرأ وذر وإما بقي من الربا والمقام مقام الفاعل ضمير المصدر أي نجى ، هو أي النجاء المؤمنين كقراءة أبي جعفر { ليجزي قوماً } أي وليجزي هو أي الجزاء ، وقد أجاز إقامة غير المفعول من مصدر أو ظرف مكان أو ظرف زمان أو مجرور الأخفش والكوفيون وأبو عبيد ، وذلك مع وجود المفعول به وجاء السماع في إقامة المجرور مع وجود المفعول به نحو قوله :

أتيح لي من العدا نذيراً *** به وقيت الشر مستطيرا

وقال الأخفش : في المسائل ضرب الضرب الشديد زيداً ، وضرب اليومان زيداً ، وضرب مكانك زيداً وأعطى إعطاء حسن أخاك درهماً مضروباً عبده زيداً .

وقيل : ضمير المصدر أقيم مقام الفاعل و { المؤمنين } منصوب بإضمار فعل أي { وكذلك ننجي } هو أي النجاء { ننجي المؤمنين } والمشهور عند البصريين أنه متى وجد المفعول به لم يقم غيره إلا أن صاحب اللباب حكى الخلاف في ذلك عن البصريين ، وأن بعضهم أجاز ذلك .