المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (88)

فاستجاب الله تعالى له وأخرجه إلى البر ، ووصف هذا يأتي في موضعه ، و { الغم } ما كان ناله حين التقمه الحوت ، وقرأ الجمهور القراء «ننْجي » بنونين الثانية ساكنة ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر «نُجي » بنون واحدة مضمونة وشد الجيم ، ورويت عن أبي عمرو ، وقرأت فرقة «نُنَجّي » بنونين الأولى مضمونة والثانية مفتوحة والجيم مشددة ، فأما القراءة الأولى والثالثة فبينتان الأولى فعلها معدى بالهمزة والأخرى بالتضعيف ، وأَما القراءة الوسطى التي هي بنون واحدة مضمونة وجيم مشددة وياء ساكنة فقال أَبو علي لا وجه لها وإنما هي وهم من السامع ، وذلك أن عاصماً قرأ «ننجي » والنون الثانية لا يجوز إظهارها لأنها تخفى مع هذه الحروف يعني الجيم وما جرى مجراها فجاء الإخفاء يشبهها بالإدغام ، ويمتنع أن يكون الأصل «ننجي » ثم يدعو اجتماع النونين إلى إدغام إحداهما في الجيم لأَن اجتماع المثلين إنما يدعو إلى ذلك إذا كانت الحركة فيهما متفقة ، ويمتنع أَن يكون الأصل «نجي » وتسكن الياء ويكون المفعول الذي لم يسم فاعله المصدر كأنه قال «نجي » النجاء المؤمنين لأن هذه لا تجيء إلا في ضرورة فليست في كتاب الله والشاهد فيها قول الشاعر : [ الوافر ]

ولو ولدت قفيزة جرو كلب . . . لسب بذلك الجرو الكلابا{[8272]}

وأيضاً فإن الفعل الذي يبنى للمفعول إذا كان ماضياً لم يسكن آخره ع والمصاحف فيها نون واحدة كتبت كذلك من حيث النون الثانية مخفية .


[8272]:(قفيرة) على وزن جهينة هي أم الفرزدق، والبيت لجرير، قاله من قصيدة يهجو بها الفرزدق. والجرو: الصغير من ولد الكلب والأسد والسباع، ومن هنا تظهر فائدة الإضافة إلى الكلب، لأنها تحدد المراد من الجرو بأنه ابن كلب، وقد كان جرير قاسيا في هجائه، وكثيرا ما ذكر قفيرة ونعتها بأقبح الصفات، وهو القائل فيها: وهل أم تكون أشد رعيا وصرا من قفيرة واحتلابا؟ والتقدير في البيت: لسب السب بذلك الجرو، وهذا شاذ، كما تقول: ضرب زيدا، بمعنى: ضرب الضرب زيدا، وتسكين الياء في الآية لغة عربية. ولكن ابن عطية يرفض هذا في الآية.