فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (88)

ثم أخبر الله سبحانه بأنه استجاب له فقال : { فاستجبنا لَهُ } دعاءه الذي دعانا به في ضمن اعترافه بالذنب على ألطف وجه { ونجيناه مِنَ الغم } بإخراجنا له من بطن الحوت حتى قذفه إلى الساحل { وكذلك نُنجِي المؤمنين } أي نخلصهم من همهم بما سبق من عملهم وما أعددناه لهم من الرحمة ، وهذا هو معنى الآية الأخرى ، وهي قوله : { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ الصافات : 143 ، 144 ] قرأ الجمهور : «ننجي » بنونين . وقرأ ابن عامر «نُجّي » بنون واحدة وجيم مشدّدة وتسكين الياء على الفعل الماضي وإضمار المصدر ، أي وكذلك نُجّي النجاءُ المؤمنين كما تقول : ضُرب زيداً ، أي ضُرب الضربُ زيداً ، ومنه قول الشاعر :

ولو ولدت فَقيرة جرو كلب *** لسبّ بذلك الجرو الكلابا

هكذا قال في توجيه هذه القراءة الفرّاء وأبو عبيد وثعلب ، وخطأها أبو حاتم والزجاج وقالا : هي لحن لأنه نصب اسم ما لم يسمّ فاعله ، وإنما يقال : نجي المؤمنون . ولأبي عبيدة قول آخر ، وهو أنه أدغم النون في الجيم وبه قال القتيبي . واعترضه النحاس فقال : هذا القول لا يجوز عند أحد من النحويين لبعد مخرج النون من مخرج الجيم فلا يدغم فيها ، ثم قال النحاس : لم أسمع في هذا أحسن من شيء سمعته من عليّ بن سليمان الأخفش قال : الأصل : ننجي ، فحذف إحدى النونين لاجتماعهما كما يحذف إحدى التاءين لاجتماعهما نحو قوله تعالى : { وَلاَ تَفَرَّقُوا } [ آل عمران : 103 ] . والأصل : ولا تتفرّقوا . قلت : وكذا الواحدي عن أبي عليّ الفارسي أنه قال : إن النون الثانية تخفى مع الجيم ، ولا يجوز تبيينها ، فالتبس على السامع الإخفاء بالإدغام ، فظن أنه إدغام ، ويدلّ على هذا إسكانه الياء من نجي ونصب المؤمنين ، ولو كان على ما لم يسم فاعله ما سكن الياء ولوجب أن يرفع المؤمنين . قلت : ولا نسلم قوله : إنه لا يجوز تبيينها فقد بينت في قراءة الجمهور ، وقرأ محمد بن السميفع وأبو العالية «وكذلك نجى المؤمنين » على البناء للفاعل ، أي نجى الله المؤمنين .

/خ88