فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (88)

ثم أخبر الله سبحانه بأنه استجاب له فقال : { فاستجبنا له } دعاءه الذي دعانا به في ضمن اعترافه بالذنب على ألطف وجه { ونجيناه من الغم } أي غم الذلة والوحشة والوحدة بإخراجنا له من بطن الحوت حتى قذفه إلى الساحل { وكذلك ننجي المؤمنين } أي نخلصهم من همهم بما سبق من عملهم ، وما أعددناه لهم من الرحمة إذا دعونا واستغاثوا بنا وهذا هو معنى الآية الأخرى وهي قوله : { فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } قرئ ننجي بنونين وبواحدة وجيم مشددة وتسكين الياء على الفعل الماضي ، وإضمار المصدر أي وكذلك نجى النجاة المؤمنين ؛ كما تقول ضرب زيدا ، أي ضرب الضرب زيدا ، قاله الفراء وأبو عبيد وثعلب .

وخطأها أبو حاتم والزجاج ، وقالا : هي لحن لأنه نصب اسم ما لم يسم فاعله ، وإنما يقال نجى المؤمنون ، وقيل أدغم النون في الجيم وبه قال القتيبي وأبو عبيدة واعترضه النحاس ، فقال : هذا لا يجوز عند أحد من النحويين لبعد مخرج المدغم والمدغم فيه .

قيل كانت هذه الواقعة قبل الرسالة وصححه الخازن ويدل له قوله تعالى بعد ذكر خروجه من بطن الحوت ، في سورة الصافات { وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون } .

وأخرج أحمد والترمذي والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي ، عن سعد بن أبي وقاص قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت لا إله إلا أنت الخ لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجيب له ) {[1215]} .

وأخرج ابن جرير عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى دعوة يونس بن متى ، قلت : يا رسول الله هل ليونس خاصة ؟ أم لجماعة المسلمين قال : هي ليونس خاصة وللمؤمنين عامة إذا دعوا به ، ألم تسمع قول الله { وكذلك ننجي المؤمنين } فهو شرط من الله لمن دعاه ) .

وأخرج الحاكم من حديثه أيضا نحوه ، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى ) {[1216]} وروي أيضا في الصحيح وغير من حديث ابن مسعود ، وروي أيضا في الصحيحين من حديث أبي هريرة .


[1215]:المستدرك كتاب الدعاء 1/505.
[1216]:مسلم2376- البخاري1608.