الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (88)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فاستجبنا له} دعاءه {ونجيناه من الغم} يعني: من بطن الحوت {وكذلك ننجي المؤمنين}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"فاسَتْجَبْنَا" ليونس دعاءه إيانا، إذ دعانا في بطن الحوت، ونجيناه من الغمّ الذي كان فيه بحبْسناه في بطن الحوت وغمه بخطيئته وذنبه. "وكذَلكَ نُنْجِي المُؤْمِنِينَ "يقول جلّ ثناؤه: وكما أنجينا يونس من كرب الحبس في بطن الحوت في البحر إذ دعانا، كذلك ننجي المؤمنين من كربهم إذا استغاثوا بنا ودعونا.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين} سمع الله دعاءه، وقبل توبته، وأخبر أنه كشف عنه الغم الذي كان به حين قال: {فاستجبنا له ونجيناه من الغم}، وأخبر أنه {وكذلك ننجي المؤمنين} ينجي الله من ابتلاه بالبلاء والشدة، فدعا بما دعا به يونس أن يفرجه الله عنه حين قال: {وكذلك ننجي المؤمنين}. وعلى ذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من دعا بدعوة ذي النون استجيب له) [الحاكم في المستدرك 2/584]...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

استجبنا له ولم يَجْرِ منه دعاءٌ؛ لأنه لم يصدر عنه أكثر من قوله: {لاَّ إِلَهَ إلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إني كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، ولم يقر بالظلم إلا وهو يستغفر منه.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{ونجيناه من الغم} أي من غمه بسبب كونه في بطن الحوت، وبسبب خطيئته، وكما أنجينا يونس عليه السلام من كرب الحبس إذ دعانا: كذلك ننجي المؤمنين من كربهم إذا استغاثوا بنا.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فاستجبنا له} أي أوجدنا الإجابة إيجاد من هو طالب لها تصديقاً لظنه أن لن نعاقبه "أنا عند ظن عبدي بي". والآية تفهم أن شرط الكون مع من يظن الخير دوام الذكر وصدق الالتجاء، وقال الرازي في اللوامع: وشرط كل من يلتجئ إلى الله أن يبتدئ بالتوحيد ثم بالتسبيح والثناء ثم بالاعتراف والاستغفار والاعتذار، وهذا شرط كل دعاء -انتهى...

{ننجي} أي بمثل ذلك العظمة {المؤمنين} إنجاء عظيماً وننجيهم تنجية عظيمة، ذكر التنجية أولاً يدل على مثلها ثانياً، وذكر الإنجاء ثانياً يدل على مثله أولاً وسر ذلك الإشارة إلى شدة العناية بالمؤمنين لأنهم ليس لهم كصبر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام- بما أشار إليه بحديث "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل "" يبتلى المرء على قدر دينه".

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الاستجابة: مبالغة في الإجابة. وهي إجابة توبته مما فرط منه. والإنجاء وقع حين الاستجابة... وعطف بالواو هنا بخلاف عطف {فكشفْنا} على {فاستجبنا} وإنجاؤه هو بتقدير وتكوين في مزاج الحوت حتى خرج الحوت إلى قرب الشاطئ فتقاياه فخرج يسبَح إلى الشاطئ.

وهذا الحوت هو من صنف الحوت العظيم الذي يبتلع الأشياء الضخمة ولا يقضمها بأسنانه.

وجملة {وكذلك ننجي المؤمنين} تذييل. والإشارة ب {كذلك} إلى الإنجاء الذي أُنجي به يونس، أي مثل ذلك الإنجاء ننجي المؤمنين من غُموم بحسب من يقع فيها أن نجاته عسيرة. وفي هذا تعريض للمشركين من العرب بأن الله منجي المؤمنين من الغمّ والنكد الذي يلاقونه من سوء معاملة المشركين إياهم في بلادهم.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

{فاستجبنا له}، أي أجبناه، والسين والتاء للطلب، وهما يدلان على شدة الإجابة وشدة الرفق...

وهنا أمران بيانيان نشير إليهما: أولهما – أنه حذف من القول ما أنبأ به سياق الكلام، فلم يذكر التقام الحوت له، ولكن أشير إلى ندائه في ظلمات جوف الحوت، ودل على التقامه والشدة الشديدة التي كان فيها يونس، وأنه كان في ظلمات لا يعرف لها نهاية ولا غاية، وذلك من الإيجاز بالحذف الحكيم. الأمر الثاني – في العطف بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب، وإضافة النجاة والاستجابة إليه سبحانه للدلالة على أنهما مؤكدان برحمته سبحانه وفضله.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

والحكمة فيما تحدث به كتاب الله عن يونس عليه السلام إلى خاتم الأنبياء والرسل هي والله أعلم تحذيره من أن يسلك مسلكه، وخصه على أن يعتصم بالصبر في دعوته، ولا يضيق ذرعا بجحود قومه ومعاناة أمته، ولذلك خاطبه الحق سبحانه وتعالى بقوله في سورة القلم: {فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم، لولا أن تدركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم} [الآيتان: 48، 49].

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

وهكذا نستوحي من هذه القصة الخاطفة، أن الله قد يبتلي الدعاة المؤمنين من عباده ورسله، في ما يمكن أن يكونوا قد قصّروا فيه، أو تهرّبوا منه من مسؤوليات، وأن الداعية قد يضعف أمام حالات الفشل الأولى، أو أوضاع الضغط القاسية، أو مشاكل الظروف الصعبة..، كنتيجةٍ لفكرةٍ انفعاليةٍ سريعةٍ أو لشعور حادٍّ غاضبٍ، ثم يلطف الله بهم بعد أن يتراجعوا عن ذلك ويرجعوا إليه، فينجيهم من بلائه، ويحوطهم بنعمائه، ويسبغ عليهم من ألطافه وآلائه، لئلا يتعقّد الخطأ أو الانفعال في شخصيتهم، لينطلقوا إلى الحياة من روحية الصفاء الروحي، والنقاء الشعوري من جديد، ليبدأوا الدعوة من حيث انتهوا، ويتابعوا المسيرة بعزم وقوة وإخلاص.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

العقوبات الإلهيّة على نحوين: أحدهما: عذاب الاستئصال، أي العقوبة النهائية التي تحلّ لمحو الأفراد الذين لا يمكن إصلاحهم، إذ لا ينفعهم أي دعاء حينئذ، لأنّ أعمالهم ذاتها ستكرّر بعد هدوء عاصفة البلاء.

والآخر: عذاب التنبيه، والذي له صفة تربوية، ويرتفع مباشرةً بمجرّد أن يؤثّر أثره ويتنبّه المخطئ ويثوب إلى رشده. ومن هنا يتّضح أنّ إحدى غايات الآفات والابتلاءات والحوادث المرّة هي التوعية والتربية.

إنّ حادثة يونس (عليه السلام) تحذّر بصورة ضمنيّة جميع قادة الحقّ والمرشدين إليه بأن لا يتصوّروا انتهاء مهمتهم مطلقاً، ولا يستصغروا أي جهد وسعي في هذا الطريق، لأنّ مسؤولياتهم ثقيلة جدّاً.