لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (88)

قوله تعالى : { فاستجبنا له ونجيناه من الغم } أي تلك الظلمات { وكذلك ننجي المؤمنين } أي من الكروب إذا دعونا واستغاثوا بنا . فإن قلت قد تمسك بمواضع من هذه القصة من أجاز وقوع الذنب من الأنبياء منها قوله { إذ ذهب مغاضباً } ومنها { فظن أن لن نقدر عليه } ومنها قوله { إني كنت من الظالمين } قلت أما الجواب الكلي فقد اختلفوا في هذه الواقعة هل كانت من قبل الرسالة أم لا ؟ فقال ابن عباس : كانت رسالته بعد أن أخرجه الله من بطن الحوت بدليل قوله تعالى في الصافات بعد ذكر خروجه { وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون } فثبت بهذا أن هذه الواقعة كانت قبل النبوة وقد أجاز بعضهم عليه الصغائر قبل النبوة ومنعها بعد النبوة وهو الصحيح . وأما الجواب التفصيلي لقوله إذ ذهب مغاضباً فحمله على أنه لقومه أو للملك أولى بحال الأنبياء وأما قوله { فظن أن لن نقدر عليه } فقد تقدم معناه أي لن نضيق عليه وذلك أن يونس ظن أنه مخير إن شاء أقام وإن شاء خرج . وإن الله تعالى لا يضيق عليه في اختياره وقيل هو من القدر لا من القدرة وأما قوله { إني كنت من الظالمين } فالظلم وضع الشيء في غير موضعه وهذا اعتراف عند بعضهم بذنبه فإما أن يكون لخروجه عن قومه بغير إذن ربه أو لضعفه عما حمله ، أو لدعائه بالعذاب على قومه وفي هذه الأشياء ترك الأفضل مع قدرته على تحصيله فكان ذلك ظلماً . وقيل كانت رسالته قبل هذه الواقعة بدليل قوله { وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون } فعلى هذا يكون الجواب عن هذه الواقعة ما تقدم من التفصيل والله أعلم .