{ فاستجبنا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغم } أي : من غمه بسبب كونه في بطن الحوت وبسبب خطيئته .
قوله : { وكذلك نُنجِي المؤمنين } : الكاف نعت لمصدر أو حال من ضمير المصدر أي : كما أنجينا يونس من كرب الحوت إذ دعانا ، أو كإنجائنا يونس كذلك ننجي المؤمنين من كربهم إذا استغاثوا بنا . وقرأ العامة{[29452]} «نُنْجِي » بضم النون الأولى وسكون الثانية من أنجي ينجي{[29453]} . وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم «نُجِّي » بتشديد الجيم وسكون الياء{[29454]} وفيها أوجه :
أحسنها : أن يكون الأصل «نًنْجِي » بضم الأولى وفتح الثانية وتشديد الجيم فاستثقل توالي مثلين ، فحذفت الثانية كما حذفت في قوله { مَا نُنَزِّلُ المَلاَئِكَةَ }{[29455]} في قراءة من قرأه كما تقدم{[29456]} ، وكما حذفت التاء الثانية في قوله : { تَذَكَّرَونَ }{[29457]} و { تَظَاهَرُونَ }{[29458]} وبابه . ولكن أبو البقاء استضعف هذا التوجيه بوجهين فقال :
أحدهما : أنَّ النون الثانية أصل ، وهي فاء الكلمة ، فحذفها يبعد جداً .
والثاني : أنَّ حركتها غير حركة النون الأولى ، ولا يستثقل الجمع بينهما بخلاف «تظاهرون »{[29459]} ألا ترى أنك لو قلت : تتحامى المظالم لم يَسُغْ{[29460]} حذف الثانية{[29461]} .
أما كون الثانية أصلاً فلا أثر له في{[29462]} منع الحذف ، ألا ترى أن النحويين اختلفوا في إقامة واستقامة ، أي الألفين المحذوفة من أنَّ الأولى هي الأصل ، لأنها عين الكلمة{[29463]} وأما اختلاف الحركة فلا أثر له أيضاً ، لأن الاستثقال باتحاد لفظ الحرفين على أي حركة كانا .
الوجه الثاني : أنّ{[29464]} «نُجِّي »{[29465]} فعل ماض مبني للمفعول ، وإنما سكنت لامه تخفيفاً ، كما سكنت في قوله : { مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا }{[29466]} في قراءة شاذّة تقدمت{[29467]} ، قالوا : وإذا كان الماضي الصحيح قد سكن تخفيفا فالمعتل أولى ، ومنه :
3732- إنَّمَا شِعْرِي قَنْدٌ *** قَدْ خُلِطَ بِجُلْجُلاَنِ{[29468]}
وتقدم منذ لك جملة{[29469]} وأسند{[29470]} هذا الفعل إلى ضمير المصدر مع وجود المفعول الصريح كقراءة أبي جعفر «لِيُجْزَى قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ »{[29471]} وهذا رأي الكوفيين والأخفش{[29472]} ، وتقدمت شواهد ذلك ، والتقدير : نُجِّي النجاة ، قال أبو البقاء : وهو ضعيف من وجهين :
أحدهما : تسكين آخر الفعل الماضي .
والآخر : إقامة المصدر مع وجود المفعول الصريح{[29473]} .
وقد عرف جوابهما مما تقدم{[29474]} .
الوجه الثالث : أن الأصل «نُنْجِي » كقراءة{[29475]} العامة إلا أن النون الثانية قلبت جيماً وأدغمت{[29476]} في الجيم بعدها{[29477]} . وهذا ضعيف جداً ، لأن النون لا تقارب الجيم فتدغم فيها{[29478]} .
الوجه الرابع : أنه ماض مسند بضمير المصدر أي : نُجِّي النجاءُ{[29479]} كما تقدم في الوجه الثاني ، إلا أنَّ «المُؤْمِنِينَ » ليس منصوباً ب «نُجِّي » بل بفعل مقدر{[29480]} . وكأن صاحب هذا الوجه فرَّ من إقامة غير المفعول به من وجوده فجعله من جملة أخرى . وهذه القراءة متواترة ، ولا التفات على من طعن على قارئها ، وإن كان أبو علي قال : هي لحن{[29481]} . وهذه جرأة منه ، وقد سبقه إلى ذلك أبو إسحاق الزجاج{[29482]} .
وأما الزمخشري فإنما طعن على بعض الأوجه المتقدمة ، فقال : ومن تمحل لصحته فجعله فُعِّل ، وقال : نُجِّي النجاء المؤمنين ، وأرسل الياء وأسنده إلى مصدره ، ونصب المؤمنين فمتعسف بارد{[29483]} التعسف{[29484]} . فلم يرتض هذا التخريج بل للقراءة عنده تخريج آخر ، وقد يمكن أن يكون هو المبتدأ به لسلامته مما تقدم من الضعف{[29485]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.