معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القمر

مكية وآياتها خمس وخمسون

قوله عز وجل : { اقتربت الساعة } دنت القيامة ، { وانشق القمر } .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، أنبأنا بشر بن المفضل ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما " . وقال شيبان عن قتادة : فأراهم انشقاق القمر مرتين . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى عن شعبة وسفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن ابن مسعود قال : " انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل و فرقة دونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اشهدوا " . وقال أبو الضحى عن مسروق قال : انشق القمر بمكة . وقال مقاتل : انشق القمر ثم التأم بعد ذلك . وروى أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله قال : انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت قريش : سحركم ابن أبي كبشة ، فاسألوا السفار ، فسألوهم ، فقالوا : نعم قد رأيناه ، فأنزل الله عز وجل : { اقتربت الساعة وانشق القمر } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة اقتربت مكية

{ 1-5 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ }

يخبر تعالى أن الساعة وهي القيامة اقتربت وآن أوانها ، وحان وقت مجيئها ، ومع ذلك ، فهؤلاء المكذبون لم يزالوا مكذبين بها ، غير مستعدين لنزولها ، ويريهم الله من الآيات العظيمة الدالة على وقوعها ما يؤمن على مثله البشر ، فمن أعظم الآيات الدالة على صحة ما جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، أنه لما طلب منه المكذبون أن يريهم من خوارق العادات ما يدل على [ صحة ما جاء به و ] صدقه ، أشار صلى الله عليه وسلم إلى القمر بإذن الله تعالى ، فانشق فلقتين ، فلقة على جبل أبي قبيس ، وفلقة على جبل قعيقعان ، والمشركون وغيرهم يشاهدون هذه الآية الكبرى{[921]}  الكائنة في العالم العلوي ، التي لا يقدر الخلق على التمويه بها والتخييل .


[921]:- في ب: العظيمة.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة القمر

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

1- سورة القمر : هي السورة الرابعة والخمسون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول فكان بعد سورة الطلاق ، وقبل سورة " ص " .

ويبلغ عدد السور التي نزلت قبلها ، سبعا وثلاثين سورة .

ويبلغ على الظن أن نزولها كان في السنوات الأولى من بعثته صلى الله عليه وسلم .

قال بعض العلماء : وكان نزولها في حدود سنة خمس قبل الهجرة . ففي الصحيح أن عائشة –رضي الله عنها- قالت : أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، وإني لجارية ألعب ، قوله –تعالى- : [ بل الساعة موعدهم ، والساعة أدهى وأمر ]( {[1]} ) .

2- وتسمى هذه السورة بسورة القمر ، وبسورة اقتربت الساعة ، وتسمى بسورة اقتربت ، حكاية لأول كلمة افتتحت بها .

روى الإمام مسلم وأهل السنن عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيد بسورتي " ق " و " اقتربت الساعة " .

وعدد آياتها : خمس وخمسون آية وهي من السور المكية الخالصة –على الرأي الصحيح- ، وقيل : هي مكية إلا ثلاث آيات منها ، وهي قوله –تعالى- : [ أم يقولون نحن جميع منتصر . سيهزم الجمع ويولون الدبر . بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ] فإنها نزلت يوم بدر ، وهذا القيل لا دليل له يعتمد عليه .

ويرده ما أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : أنزل الله –تعالى- على نبيه صلى الله عليه وسلم بمكة قبل يوم بدر : سيهزم الجمع ويولون الدبر ، وقال عمر بن الخطاب : قلت : يا رسول الله أي جمع يهزم ؟ فلما كان يوم بدر ، وانهزمت قريش ، نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم مصلتا بالسيف ، وهو يقول : [ سيهزم الجمع ويولون الدبر ] فكانت ليوم بدر .

وبذلك نرى أن هذا الحديث ، وحديث عائشة السابق ، يدلان على أن هذه الآيات مكية –أيضا- ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما قرأها في غزوة بدر على سبيل الاستشهاد بها .

3- والسورة الكريمة قد تحدثت في مطلعها عن اقتراب يوم القيامة ، وعن جحود المشركين للحق بعد إذ جاءهم ، وعما سيكونون عليه يوم القيامة من ندم وحسرة . قال –تعالى- [ اقتربت الساعة وانشق القمر . وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر . وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر ] .

4- ثم تحدثت السورة الكريمة عن مصارع الغابرين ، فذكرت ما حل من هلاك ودمار ، بقوم نوح ، وهود ، ولوط –عليهم السلام- وما حل أيضا بفرعون وملئه من عقاب .

ثم ختم –سبحانه- السورة الكريمة ، ببيان مظاهر قدرته ، وبليغ حكمته ، ودقة نظامه في كونه ، وبشر المتقين بما يشرح صدورهم فقال –تعالى- : [ إنا كل شيء خلقناه بقدر . وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر . ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر . وكل شيء فعلوه في الزبر . وكل صغير وكبير مستطر . إن المتقين في جنات ونهر . في مقعد صدق عند مليك مقتدر ] .

5- والمتدبر في السورة الكريمة يراها قد اهتمت بالحديث عن أهوال يوم القيامة ، وعن تعنت المشركين وعنادهم ، وعن سنن الله –تعالى- في خلقه ، التي من أبرز مظاهرها ، نصر المؤمنين ، وخذلان الكافرين .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . .

دولة قطر – الدوحة

صباح السبت 27 جمادى الآخرة 1406 ه

8/3/1986 م

د . محمد سيد طنطاوي

افتتحت السورة الكريمة بهذا الافتتاح الذى يبعث فى النفوس الرهبة والخشية ، فهو يخبر عن قرب انقضاء الدنيا وزوالها .

إذ قوله - تعالى - : { اقتربت الساعة } أى : قرب وقت حلول الساعة ، ودنا زمان قيامها .

والساعة فى الأصل : اسم لمدار قليل من الزمان غير معين ، وتحديدها بزمن معين اصطلاح عرفى ، وتطلق فى عرف الشرع على يوم القيامة .

وأطلق على يوم القيامة يوم الساعة ، لوقوعه بغتة ، أو لسرعة ما فيه من الحساب ، أو لأنه على طوله قدر يسير عند الله - تعالى - .

وقد وردت أحاديث كثيرة ، تصرح بأن ما مضى من الدنيا كثير بالنسبة لما بقى منها ، ومن هذه الأحاديث ما رواه البزار عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " خطب أصحابه ذات يوم ، وقد كادت الشمس أن تغرب . . فقال : " والذي نفسى بيده ما بقى من الدنيا فيما مضى منها ، إلا كما بقى من يومكم هذا فيما مضى منه " " .

وروى الشيخان عن سهل بن سعد قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " بعثت أنا والساعة هكذا " وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى .

وشبيه بهذا الافتتاح قوله - تعالى - : فى مطلع سورة الأنبياء : { اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } وقوله - سبحانه - فى افتتاح سورة النحل : { أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ } والمقصود من هذا الافتتاح المتحدث عن قرب يوم القيامة ، تذكير الناس بأهوال هذا اليوم ، وحضهم على حسن الاستعداد لاستقباله عن طريق الإيمان والعمل الصالح .

وقوله - تعالى - : { وانشق القمر } معطوف على ما قبله عطف جملة على جملة .

وقوله : { وانشق } من الانشقاق بمعنى الافتراق والانفصال .

أى : اقترب وقت قيام الساعة ، وانفصل وانفلق القمر بعضه عن بعض فلقتين ، معجزة للنبى - صلى الله عليه وسلم - ، وكان ذلك بمكة قبل هجرته - صلى الله عليه وسلم - بنحو خمس سنين ، وقد رأى هذا الانشقاق كثير من الناس .

وقد ذكر المفسرون كثيرا من الأحاديث فى هذا الشأن ، وقد بلغت الأحاديث مبلغ التواتر المعنوى .

قال الإمام ابن كثير : وهذا أمر متفق عليه بين العلماء - أى : انشقاق القمر- ، فقد وقع فى زمان النبى - صلى الله عليه وسلم - وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات .

ثم ذكر - رحمه الله - جملة من الأحاديث التى وردت فى ذلك ، ومنها ما رواه الشيخان عن أنس بن مالك قال : سأل أهل مكة النبى - صلى الله عليه وسلم - آية ، فانشق القمر بمكة مرتين ، فقال : { اقتربت الساعة وانشق القمر } .

وأخرج الإمام أحمد عن جبير بن مطعم عن أبيه قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصار فلقتين : فلقة على هذا الجبل وفلقة على هذا الجبل .

فقالوا : سحرنا محمد ، فقالوا : إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم .

وروى الشيخان عن ابن مسعود قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شقتين ، حتى نظروا إليه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اشهدوا " .

وقال الآلوسى : بعد أن ذكر عددا من الأحاديث فى هذا الشأن : والأحاديث الصحيحة فى الانشقاق كثيرة ، واختلف فى تواتره ، فقيل : هو غير متواتر : وفى شرح المواقف أنه متواتر . وهو الذى اختاره العلامة السبكى ، فقد قال : الصحيح عندى أن انشقاق القمر متواتر ، منصوص عليه فى القرآن ، مروى فى الصحيحين وغيرهما من طرق شتى ، لا يمترى فى تواتره .

وقد جاءت أحاديثه فى روايات صحيحة ، عن جماعة من الصحابة ، منهم عل بن أبى طالب ، وأنس ، وابن مسعود . .

ثم قال - رحمه الله - بعد أن ذكر شبهات المنكرين لحادث الانشقاق : والحاصل أنه ليس عند المنكر سوى الاستبعاد ، ولا يستطيع أن يأتى بدليل على الاستحالة الذاتية ولو انشق ، والاستبعاد فى مثل هذه المقامات قريب من الجنون . عند من له عقل سليم .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القمر مكية وآياتها خمس وخمسون

هذه السورة من مطلعها إلى ختامها حملة رعيبة مفزعة عنيفة على قلوب المكذبين بالنذر ، بقدر ما هي طمأنينة عميقة وثيقة للقلوب المؤمنة المصدقة . وهي مقسمة إلى حلقات متتابعة ، كل حلقة منها مشهد من مشاهد التعذيب للمكذبين ، يأخذ السياق في ختامها بالحس البشري فيضغطه ويهزه ويقول له : ( فكيف كان عذابي ونذر ? ) . . ثم يرسله بعد الضغط والهز ويقول له : ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ? ) .

ومحتويات السورة الموضوعية واردة في سور مكية شتى . فهي مشهد من مشاهد القيامة في المطلع ، ومشهد من هذه المشاهد في الختام . وبينهما عرض سريع لمصارع قوم نوح . وعاد وثمود . وقوم لوط . وفرعون وملئه . وكلها موضوعات تزخر بها السور المكية في صور شتى . .

ولكن هذه الموضوعات ذاتها تعرض في هذه السورة عرضا خاصا ، يحيلها جديدة كل الجدة . فهي تعرض عنيفة عاصفة ، وحاسمة قاصمة ؛ يفيض منها الهول ، ويتناثر حولها الرعب ، ويظللها الدمار والفزع والانبهار !

وأخص ما يميزها في سياق السورة أن كلا منها يمثل حلقة عذاب رهيبة سريعة لاهثة مكروبة . يشهدها المكذبون ، وكأنما يشهدون أنفسهم فيها ، ويحسون إيقاعات سياطها . فإذا انتهت الحلقة وبدأوا يستردون أنفاسهم اللاهثة المكروبة عاجلتهم حلقة جديدة أشد هولا ورعبا . . وهكذا حتى تنتهي الحلقات السبعة في هذا الجو المفزع الخانق . فيطل المشهد الأخير في السورة . وإذا هو جو آخر ، ذو ظلال أخرى . وإذا هو الأمن والطمأنينة والسكينة . إنه مشهد المتقين : ( إن المتقين في جنات ونهر . في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) . . في وسط ذلك الهول الراجف ، والفزع المزلزل ، والعذاب المهين للمكذبين : ( يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر ) . .

فأين وأين ? مشهد من مشهد ? ومقام من مقام ? وقوم من قوم ? ومصير من مصير ?

اقتربت الساعة وانشق القمر . وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا : سحر مستمر . وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر . ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر . حكمة بالغة فما تغني النذر . فتول عنهم يوم يدعو الداعي إلى شيء نكر . خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر . مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون : هذا يوم عسر . .

مطلع باهر مثير ، على حادث كوني كبير ، وإرهاص بحادث أكبر . لا يقاس إليه ذلك الحدث الكوني الكبير :

( اقتربت الساعة وانشق القمر ) . .

فيا له من إرهاص ! ويا له من خبر . ولقد رأوا الحدث الأول فلم يبق إلا أن ينتظروا الحدث الأكبر .

والروايات عن انشقاق القمر ورؤية العرب له في حالة انشقاقه أخبار متواترة . تتفق كلها في إثبات وقوع الحادث ، وتختلف في رواية هيئته تفصيلا وإجمالا :

من رواية أنس بن مالك - رضي الله عنه - . . قال الإمام أحمد : حدثنا معمر ، عن قتادة ، عن أنس ابن مالك قال : سأل أهل مكة النبي [ صلى الله عليه وسلم ] آية . فانشق القمر بمكة مرتين فقال : ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) . . وقال البخاري : حدثني عبد الله بن عبدالوهاب . حدثنا بشر بن المفضل ، حدثنا سعيد بن أبي عروة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك . أن أهل مكة سألوا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أن يريهم آية . فأراهم القمر شقين حتى رأو حراء بينهما . وأخرجه الشيخان من طرق أخرى عن قتادة عن أنس . .

ومن رواية جبير بن مطعم - رضي الله عنه - . . قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا سليمان ابن كثير ، عن حصين بن عبدالرحمن ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : انشق القمر على عهد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فصار فلقتين . فلقة على هذا الجبل وفلقة على هذا الجبل ، فقالوا : سحرنا محمد ، فقالوا : إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم . . تفرد به أحمد من هذا الوجه . . وأسنده البيهقي في الدلائل من طريق محمد بن كثير عن أخيه سليمان بن كثير ، عن حصين بن عبدالرحمن . . ورواه ابن جرير والبيهقي من طرق أخرى عن جبير بن مطعم كذلك . .

ومن رواية عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - . . قال البخاري : حدثنا يحيى بن كثير ، حدثنا بكر ، عن جعفر ، عن عراك بن مالك ، عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، قال : انشق القمر في زمان النبي [ صلى الله عليه وسلم ] . . ورواه البخاري أيضا ومسلم من طريق آخر عن عراك بسنده السابق إلى ابن عباس . . وروى ابن جرير من طريق أخرى إلى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : قد مضى ذلك ، كان قبل الهجرة ، انشق القمر حتى رأوا شقيه . . وروى العوفي عن ابن عباس نحو هذا . . وقال الطبراني بسند آخر عن عكرمة عن ابن عباس قال : كسف القمر على عهد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقالوا : سحر القمر ، فنزلت : ( اقتربت الساعة وانشق القمر )- إلى قوله : ( مستمر ) .

ومن رواية عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - : قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ، قالا : حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا العباس بن محمد الدوري ، حدثنا وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمر في قوله تعالى : ( اقتربت الساعة وانشق القمر )قال : وقد كان ذلك على عهد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] انشق فلقتين فلقة من دون الجبل وفلقة خلف الجبل . فقال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : " اللهم اشهد " . . وهكذا رواه مسلم والترمذي من طرق عن شعبة عن الأعمش عن مجاهد . .

ومن رواية عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، عن أبي معمر ، عن ابن مسعود قال : انشق القمر على عهد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] شقتين حتى نظروا إليه ، فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " اشهدوا " . وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث سفيان بن عيينة . وأخرجاه كذلك من حديث الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة ، عن ابن مسعود . وقال البخاري : قال أبو داود الطيالسي : حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : انشق القمر على عهد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقالت قريش : هذا سحر ابن أبي كبشة . قال : فقالوا : انظروا ما يأتيكم من السفار ، فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم قال : فجاء السفار فقالوا ذلك . . وروى البيهقي من طريق أخرى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود ، بما يقرب من هذا .

فهذه روايات متواترة من طرق شتى عن وقوع هذا الحادث ، وتحديد مكانه في مكة - باستثناء رواية لم نذكرها عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، أنه كان في منى - وتحديد زمانه في عهد النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قبل الهجرة . وتحديد هيئته - في معظم الروايات أنه انشق فلقتين ، وفي رواية واحدة أنه كسف " أي خسف " . . فالحادث ثابت من هذه الروايات المتواترة المحددة للمكان والزمان والهيئة .

وهو حادث واجه به القرآن المشركين في حينه ؛ ولم يرو عنهم تكذيب لوقوعه ؛ فلا بد أن يكون قد وقع فعلا بصورة يتعذر معها التكذيب ، ولو على سبيل المراء الذي كانوا يمارونه في الآيات ، لو وجدوا منفذا للتكذيب . وكل ما روي عنهم أنهم قالوا : سحرنا ! ولكنهم هم أنفسهم اختبروا الأمر ، فعرفوا أنه ليس بسحر ؛ فلئن كان قد سحرهم فإنه لا يسحر المسافرين خارج مكة الذين رأوا الحادث وشهدوا به حين سئلوا عنه .

بقيت لنا كلمة في الرواية التي تقول : إن المشركين سألوا النبي [ صلى الله عليه وسلم ] آية . فانشق القمر . فإن هذه الرواية تصطدم مع مفهوم نص قرآني مدلوله أن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] لم يرسل بخوارق من نوع الخوارق التي جاءت مع الرسل قبله ، لسبب معين : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون . فمفهوم هذه الآية أن حكمة الله اقتضت منع الآيات - أي الخوارق - لما كان من تكذيب الأولين بها .

وفي كل مناسبة طلب المشركون آية من الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] كان الرد يفيد أن هذا الأمر خارج عن حدود وظيفته ، وأنه ليس إلا بشرا رسولا . وكان يردهم إلى القرآن يتحداهم به بوصفه معجزة هذا الدين الوحيدة : ( قل : لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا . ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ، فأبى أكثر الناس إلا كفورا . وقالوا : لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا . أو تسقط السماء - كما زعمت - علينا كسفا ، أو تأتي بالله والملائكة قبيلا . أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ، ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه . قل : سبحان ربي ! هل كنت إلا بشرا رسولا ? ) .

فالقول بأن انشقاق القمر كان استجابة لطلب المشركين آية - أي خارقة - يبدو بعيدا عن مفهوم النصوص القرآنية ؛ وعن اتجاه هذه الرسالة الأخيرة إلى مخاطبة القلب البشري بالقرآن وحده ، وما فيه من إعجاز ظاهر ؛ ثم توجيه هذا القلب - عن طريق القرآن - إلى آيات الله القائمة في الأنفس والآفاق ، وفي أحداث التاريخ سواء . . فأما ما وقع فعلا للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] من خوارق شهدت بها روايات صحيحة فكان إكراما من الله لعبده ، لا دليلا لإثبات رسالته . .

ومن ثم نثبت الحادث - حادث انشقاق القمر - بالنص القرآني وبالروايات المتواترة التي تحدد مكان الحادث وزمانه وهيئته . ونتوقف في تعليله الذي ذكرته بعض الروايات . ونكتفي بإشارة القرآن إليه مع الإشارة إلى اقتراب الساعة . باعتبار هذه الإشارة لمسة للقلب البشري ليستيقظ ويستجيب . .

وانشقاق القمر إذن كان آية كونية يوجه القرآن القلوب والأنظار إليها ، كما يوجهها دائما إلى الآيات الكونية الأخرى ؛ ويعجب من أمرهم وموقفهم إزاءها ، كما يعجب من مواقفهم تجاه آيات الله الكونية الأخرى .

إن الخوارق الحسية قد تدهش القلب البشري في طفولته ، قبل أن يتهيأ لإدراك الآيات الكونية القائمة الدائمة ، والتأثر بإيقاعها الثابت الهادئ . وكل الخوارق التي ظهرت على أيدي الرسل - صلوات الله عليهم - قبل أن تبلغ البشرية الرشد والنضوج يوجد في الكون ما هو أكبر منها وأضخم ، وإن كان لا يستثير الحس البدائي كما تستثيره تلك الخوارق !

ولنفرض أن انشقاق القمر جاء آية خارقة . . فإن القمر في ذاته آية أكبر ! هذا الكوكب بحجمه ، ووضعه ، وشكله ، وطبيعته ، ومنازله ، ودورته ، وآثاره في حياة الأرض ، وقيامه هكذا في الفضاء بغير عمد . هذه هي الآية الكبرى القائمة الدائمة حيال الأبصار وحيال القلوب ، توقع إيقاعها وتلقي ظلالها ، وتقوم أمام الحس شاهدا على القدرة المبدعة التي يصعب إنكارها إلا عنادا أو مراء !

وقد جاء القرآن ليقف بالقلب البشري في مواجهة الكون كله ؛ وما فيه من آيات الله القائمة الثابتة ؛ ويصله بهذا الكون وآيات الله فيه في كل لحظة ؛ لا مرة عارضة في زمان محدود ، يشهدها جيل من الناس في مكان محدود .

إن الكون كله هو مجال النظر والتأمل في آيات الله التي لا تنفد ، ولا تذهب ، ولا تغيب . وهو بجملته آية . وكل صغيرة فيه وكبيرة آية . والقلب البشري مدعو في كل لحظة لمشاهدة الخوارق القائمة الدائمة ، والاستماع إلى شهادتها الفاصلة الحاسمة ؛ والاستمتاع كذلك بعجائب الإبداع الممتعة ، التي يلتقي فيها الجمال بالكمال ، والتي تستجيش انفعال الدهش والحيرة مع وجدان الإيمان والاقتناع الهادئ العميق .

وفي مطلع هذه السورة تجيء تلك الإشارة إلى اقتراب الساعة وانشقاق القمر إيقاعا يهز القلب البشري هزا . وهو يتوقع الساعة التي اقتربت ، ويتأمل الآية التي وقعت ، ويتصور أحداث الساعة في ظل هذا الحدث الكوني الذي رآه المخاطبون بهذا الإيقاع المثير .

وفي موضوع اقتراب الساعة روى الإمام أحمد . قال : حدثنا حسين ، حدثنا محمد بن مطوف ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول : " بعثت أنا والساعة هكذا " وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى .

ومع اقتراب الموعد المرهوب ، ووقوع الحادث الكوني المثير ، وقيام الآيات التي يرونها في صور شتى . . فإن تلك القلوب كانت تلج في العناد ، وتصر على الضلال ، ولا تتأثر بالوعيد كما لا تتأثر بإيقاع الآيات الكثيرة الكافية للعظة والكف عن التكذيب :

( وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا : سحر مستمر . وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر . ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر . حكمة بالغة فما تغني النذر ) .

ولقد أعرضوا وقالوا : سحرنا ، وهم يرون آية الله في انشقاق القمر . وكان هذا رأيهم مع آية القرآن . فقالوا : سحر يؤثر . فهذا قولهم كلما رأوا آية . ولما كانت الآيات متوالية متواصلة ، فقد قالوا : إنه سحر مستمر لا ينقطع ، معرضين عن تدبر طبيعة الآيات وحقيقتها ، معرضين كذلك عن دلالتها وشهادتها .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانشَقّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مّسْتَمِرّ } .

يعني تعالى ذكره بقوله : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ : دنت الساعة التي تقوم فيها القيامة ، وقوله اقْتَرَبَتْ افتعلت من القُرب ، وهذا من الله تعالى ذكره إنذار لعباده بدنوّ القيامة ، وقرب فناء الدنيا ، وأمر لهم بالاستعداد لأهوال القيامة قبل هجومها عليهم ، وهم عنها في غفلة ساهون .

وقوله : وَانْشَقّ القَمَرُ يقول جلّ ثناؤه : وانفلق القمر ، وكان ذلك فيما ذُكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ، قبل هجرته إلى المدينة ، وذلك أن كفار أهل مكة سألوه آية ، فآراهم صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر ، آية حجة على صدق قوله ، وحقيقة نبوته فلما أراهم أعرضوا وكذّبوا ، وقالوا : هذا سحر مستمرّ ، سحرنا محمد ، فقال الله جلّ ثناؤه وَإنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرّ . وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الاَثار ، وقال به أهل التأويل . ذكر الاَثار المروية بذلك ، والأخبار عمن قاله من أهل التأويل :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية ، فأراهم انشقاق القمر مرّتين .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت قتادة يحدّث ، عن أنس ، قال : انشقّ القمر فرقتين .

حدثنا ابن المثنى والحسن بن أبي يحيى المقدسي ، قالا : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، قال : سمعت أنسا يقول : انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

حدثني يعقوب الدورقيّ ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : سمعت أنسا يقول : فذكر مثله .

حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّتين .

حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عَروبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية ، فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حِراء بينهما .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي معمر ، عن عبد الله ، قال : انشقّ القمر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى حتى ذهبت منه فرقة خلف الجبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اشْهَدُوا » .

حدثني إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال : حدثنا النضر بن شميل المازنيّ ، قال : أخبرنا شعبة ، عن سليمان ، قال : سمعت إبراهيم ، عن أبي معمر ، عن عبد الله ، قال تفلّق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين ، فكانت فرقة على الجبل ، وفرقة من ورائه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللّهُمّ اشْهَدْ » .

حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال : حدثنا النضر ، قال : أخبرنا شعبة ، عن سليمان ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، مثل حديث إبراهيم في القمر .

حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ، قال : ثني عمي يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن رجل ، عن عبد الله ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ، فانشقّ القمر ، فأخذت فرقة خلف الجبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اشْهَدُوا » .

حدثني محمد بن عمارة ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن سماك ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عبد الله ، قال : رأيت الجبل من فرج القمر حين انشقّ .

حدثنا الحسن بن يحيى المقدسي ، قال : حدثنا يحيى بن حماد ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن المُغيرة ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله ، قال : انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت قريش : هذا سحر بن أبي كَبْشَة سحركم فسلوا السّفّار ، فسألوهم ، فقالوا : نعم قد رأيناه ، فأنزل الله تبارك وتعالى : اقْتَرَبَتِ السّاعةُ وَانْشَقّ القَمَرُ .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال : قد مضى انشقاق القمر .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، قال : عبد الله خمس قد مضين : الدخان ، واللزام ، والبطشة ، والقمر ، والروم .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : أخبرنا أيوب ، عن محمد ، قال : نُبّئت أن ابن مسعود كان يقول : قد انشقّ القمر .

قال : أخبرنا ابن علية ، قال : أخبرنا عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السُلميّ ، قال : نزلنا المدائن ، فكنا منها على فرسخ ، فجاءت الجمعة ، فحضر أبي ، وحضرت معه ، فخطبنا حُذيفة ، فقال : ألا إن الله يقول اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ ألا وإن الساعة قد اقتربت ، ألا وإن القمر قد انشقّ ، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق ، ألا وإن اليوم المِضْمار ، وغدا السباق ، فقلت لأبي : أتستبق الناس غدا ؟ فقال : يا بنيّ إنك لجاهل ، إنما هو السباق بالأعمال ، ثم جاءت الجمعة الأخرى ، فحضرنا ، فخطب حُذيفة ، فقال : ألا إن الله تبارك وتعالى يقول : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ ألا وإن الساعة قد اقتربت ، ألا وإن القمر قد انشقّ ، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق ، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق ، ألا وإن الغاية النار ، والسابق من سَبق إلى الجنة .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن قال : كنت مع أبي بالمدائن ، قال : فخطب أميرهم ، وكان عطاء يروي أنه حُذيفة ، فقال في هذه الاَية : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ قد اقتربت الساعة وانشقّ القمر ، قد اقتربت الساعة وانشقّ القمر ، اليوم المِضْمار ، وغدا السباق ، والسابق من سبق إلى الجنة ، والغاية النار قال : فقلت لأبي : غدا السباق ، قال : فأخبره .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن حصين ، عن محمد بن جُبَير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : انشقّ القمر ، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن خارجة ، عن الحصين بن عبد الرحمن ، عن ابن جُبَير ، عن أبيه وَانْشَقّ القَمَرُ قال : انشقّ ونحن بمكة .

حدثنا محمد بن عسكر ، قال : حدثنا عثمان بن صالح وعبد الله بن عبد الحكم ، قالا : حدثنا بكر بن مضر ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عِرَاك ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة ، عن ابن عباس ، قال : انشقّ القمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

حدثنا نصر بن عليّ ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود بن أبي هند ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : انشقّ القمر قبل الهجرة ، أو قال : قد مضى ذاك .

حدثنا إسحاق بن شاهين ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن داود ، عن علي ، عن ابن عباس بنحوه .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن علي ، عن ابن عباس أنه قال في هذه الاَية : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ قال : ذاك قد مضى كان قبل الهجرة ، انشقّ حتى رأوا شِقّيه .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ . . . إلى قوله : سِحْرٌ مُسْتَمِرٌ قال : قد مضى ، كان قد انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فأعرض المشركون وقالوا : سحر مستمرّ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ قال : رأوه منشقا .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور وليث ، عن مجاهد اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ قال : انفلق القمر فلقتين ، فثبتت فلقة ، وذهبت فلقة من وراء الجبل ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «اشْهَدُوا » .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي سنان ، عن ليث ، عن مجاهد انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصار فرقتين ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : «اشْهَدْ يا أبا بَكْرٍ » فقال المشركون : سحر القمر حتى انشقّ .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي سنان ، قال : قدم رجل المدائن فقام فقال : إن الله تبارك وتعالى يقول : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ وإن القمر قد انشقّ ، وقد آذنت الدنيا بفراق ، اليوم المِضْمار ، وغدا السباق ، والسابق . من سبق إلى الجنة ، والغاية النار .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ يحدث الله في خلقه ما يشاء .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : سأل أهل مكة النبيّ صلى الله عليه وسلم آية ، فانشقّ القمر بمكة مرّتين ، فقال : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَانْشَقّ القَمَرُ قد مضى ، كان الشقّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فأعرض عنه المشركون ، وقالوا : سحْر مستمرّ .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا سلمة ، عن عمرو ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : مضى انشقاق القمر بمكة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القمر مكية وآيها خمس وخمسون آية .

بسم الله الرحمن الرحيم { اقتربت الساعة وانشق القمر } روي أن الكفار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر . وقيل معناه سينشق يوم القيامة ويؤيد الأول أنه قرئ " وقد انشق القمر " أي اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها انشقاق القمر .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

سورة القمر، مكية.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

سورة اقتربت (القمر) مكية في قول الجمهور، وقال مقاتل: إلا ثلاث آيات من قوله" "أم يقولون نحن جميع منتصر" إلى قوله "والساعة أدهى وأمرّ".

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

مكية بلا خلاف.

زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 597 هـ :

وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشهدوا". وقد روى حديث الانشقاق جماعة، منهم عبد الله بن عمر، وحذيفة، وجبير بن مطعم، وابن عباس، وأنس بن مالك، وعلى هذا جميع المفسرين، إلا أن قوما شذوا فقالوا: سينشق يوم القيامة. [ينظر: صحيح البخاري. كتاب المناقب. باب: سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية، فأراهم انشقاق القمر]

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

وسبب نزولها أن مشركي قريش قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: إن كنت صادقاً فشق لنا القمر فرقتين، ووعدوه بالإيمان إن فعل. وكانت ليلة بدر، فسأل ربه، فانشق القمر نصف على الصفا ونصف على قعيقعان. فقال أهل مكة: آية سماوية لا يعمل فيها السحر. فقال أبو جهل: اصبروا حتى تأتينا أهل البوادي، فإن أخبروا بانشقاقه فهو صحيح، وإلا فقد سحر محمد أعيننا. فجاءوا فأخبروا بانشقاق القمر، فأعرض أبو جهل وقال: {سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ}.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هذه السورة من مطلعها إلى ختامها حملة رعيبة مفزعة عنيفة على قلوب المكذبين بالنذر، بقدر ما هي طمأنينة عميقة وثيقة للقلوب المؤمنة المصدقة. وهي مقسمة إلى حلقات متتابعة، كل حلقة منها مشهد من مشاهد التعذيب للمكذبين، يأخذ السياق في ختامها بالحس البشري فيضغطه ويهزه ويقول له: (فكيف كان عذابي ونذر؟).. ثم يرسله بعد الضغط والهز ويقول له: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر؟). ومحتويات السورة الموضوعية واردة في سور مكية شتى. فهي مشهد من مشاهد القيامة في المطلع، ومشهد من هذه المشاهد في الختام. وبينهما عرض سريع لمصارع قوم نوح. وعاد وثمود. وقوم لوط. وفرعون وملئه. وكلها موضوعات تزخر بها السور المكية في صور شتى. ولكن هذه الموضوعات ذاتها تعرض في هذه السورة عرضا خاصا، يحيلها جديدة كل الجدة. فهي تعرض عنيفة عاصفة، وحاسمة قاصمة؛ يفيض منها الهول، ويتناثر حولها الرعب، ويظللها الدمار والفزع والانبهار! وأخص ما يميزها في سياق السورة أن كلا منها يمثل حلقة عذاب رهيبة سريعة لاهثة مكروبة. يشهدها المكذبون، وكأنما يشهدون أنفسهم فيها، ويحسون إيقاعات سياطها. فإذا انتهت الحلقة وبدأوا يستردون أنفاسهم اللاهثة المكروبة عاجلتهم حلقة جديدة أشد هولا ورعبا.. وهكذا حتى تنتهي الحلقات السبعة في هذا الجو المفزع الخانق. فيطل المشهد الأخير في السورة. وإذا هو جو آخر، ذو ظلال أخرى. وإذا هو الأمن والطمأنينة والسكينة. إنه مشهد المتقين: (إن المتقين في جنات ونهر. في مقعد صدق عند مليك مقتدر) في وسط ذلك الهول الراجف، والفزع المزلزل، والعذاب المهين للمكذبين: (يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر) فأين وأين؟ مشهد من مشهد؟ ومقام من مقام؟ وقوم من قوم؟ ومصير من مصير؟

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

... ذكر بعض المفسرين أن انشقاق القمر كان سنة خمس قبل الهجرة، وعن ابن عباس كان بين نزول آية {سيهزم الجمع ويولون الدبر} وبين بدر سبع سنين.، فأنزل الله عز وجل {اقتربت الساعة وانشق القمر} الآيات. وكان نزولها في حدود سنة خمس قبل الهجرة، ففي الصحيح أن عائشة قالت: أنزل على محمد بمكة وإني لجارية ألعب {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر}. وكانت عقد عليها في شوال قبل الهجرة بثلاث سنين، أي في أواخر سنة أربع قبل الهجرة بمكة، وعائشة يومئذ بنت ست سنين...

أغراض هذه السورة: تسجيل مكابرة المشركين في الآيات المبينة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن مكابرتهم. وإنذارهم باقتراب القيامة وبما يلقونه حين البعث من الشدائد. وتذكيرهم بما لقيته الأمم أمثالهم من عذاب الدنيا لتكذيبهم رسل الله وأنهم سيلقون مثل ما لقي أولئك إذ ليسوا خيرا من كفار الأمم الماضية. وإنذارهم بقتال يهزمون به، ثم لهم عذاب الآخرة وهو أشد. وإعلامهم بإحاطة الله علما بأفعالهم وأنه مجازيهم شر الجزاء ومجاز المتقين خير الجزاء. وإثبات البعث، ووصف بعض أحواله. وفي خلال ذلك تكرير التنويه بهدي القرآن وحكمته.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

وهي من السور التي أريد لها أن تهز الروح والقلب والشعور، وتحرّك العقل والوجدان في اتجاه الإحساس بما يمكن أن يواجه الإنسان في الدار الآخرة من مصير مرعب للمكذبين بالرسل والرسالات، المشركين بالله في العقيدة والعبادة، أو من مصير مفرح في نعيم الله ورضوانه ولطفه ورحمته للمؤمنين المتقين المجاهدين في سبيله.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

محتوى السورة: تحوي هذه السّورة خصوصيات السور المكيّة التي تتناول الأبحاث الأساسيّة حول المبدأ والمعاد، وخصوصاً العقوبات التي نزلت بالأمم السالفة، وذلك نتيجة عنادهم ولجاجتهم في طريق الكفر والظلم والفساد ممّا أدّى بها الواحدة تلو الأخرى إلى الابتلاء بالعذاب الإلهي الشديد، وسبّب لهم الدمار العظيم. ونلاحظ في هذه السورة تكرار قوله تعالى: (ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر) وذلك بعد كلّ مشهد من مشاهد العذاب الذي يحلّ بالأمم لكي يكون درساً وعظة للمسلمين والكفّار. ويمكن تلخيص أبحاث هذه السورة في عدّة أقسام هي: 1 تبدأ السورة بالحديث عن قرب وقوع يوم القيامة، وموضوع شقّ القمر، وإصرار وعناد المخالفين في إنكار الآيات الإلهيّة. 2 والقسم الثاني يبحث بتركيز واختصار عن أوّل قوم تمرّدوا على الأوامر الإلهية، وهم قوم نوح، وكيفيّة نزول البلاء عليهم.

أمّا القسم الثالث فإنّه يتعرّض إلى قصّة قوم «عاد» وأليم العذاب الذي حلّ بهم.

وفي القسم الرابع تتحدّث الآيات عن قوم «ثمود» ومعارضتهم لنبيّهم صالح (عليه السلام) وبيان معجزة الناقة، وأخيراً ابتلاؤهم بالصيحة السماوية. 5 تتطرّق الآيات بعد ذلك إلى الحديث عن قوم «لوط» ضمن بيان واف لانحرافهم الأخلاقي... ثمّ عن السخط الإلهي عليهم وابتلائهم بالعقاب الربّاني. 6 وفي القسم السادس تركّز الآيات الكريمة بصورة موجزة الحديث عن آل فرعون، وما نزل بهم من العذاب الأليم جزاء كفرهم وضلالهم.

وفي القسم الأخير تعرض مقارنة بين هذه الأمم ومشركي مكّة ومخالفي الرّسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والمستقبل الخطير الذي ينتظر مشركي مكّة فيما إذا استمرّوا على عنادهم وإصرارهم في رفض الدعوة الإلهيّة. وتنتهي السورة ببيان صور ومشاهد من معاقبة المشركين، وجزاء وأجر المؤمنين والمتّقين. وسورة القمر تتميّز آياتها بالقصر والقوّة والحركية.

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{اقتربت الساعة} يعني القيامة، ومن علامة ذلك، خروج النبي صلى الله عليه وسلم، والدخان، وانشقاق القمر، وذلك أن كفار مكة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فانشق القمر نصفين، فقالوا: هذا عمل السحرة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني تعالى ذكره بقوله:"اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ": دنت الساعة التي تقوم فيها القيامة... وهذا من الله تعالى ذكره إنذار لعباده بدنوّ القيامة، وقرب فناء الدنيا، وأمر لهم بالاستعداد لأهوال القيامة قبل هجومها عليهم، وهم عنها في غفلة ساهون. وقوله: "وَانْشَقّ القَمَرُ "يقول جلّ ثناؤه: وانفلق القمر، وكان ذلك فيما ذُكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، قبل هجرته إلى المدينة، وذلك أن كفار أهل مكة سألوه آية، فأراهم صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر، آية حجة على صدق قوله، وحقيقة نبوته، فلما أراهم أعرضوا وكذّبوا، وقالوا: هذا سحر مستمرّ، سحرنا محمد، فقال الله جلّ ثناؤه "وَإنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرّ".

أحكام القرآن للجصاص 370 هـ :

قوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ} دلالةٌ على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الله لا يقلب العادات بمثله إلا ليجعله دلالة على صحة نبوّة النبي صلى الله عليه وسلم...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

والمراد بالساعة القيامة، وفي تسميتها بالساعة وجهان:

أحدهما: لسرعة الأمر فيها.

الثاني: لمجيئها في ساعة من يومها.

{وَانشَقَّ القَمَرُ} فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها: معناه: وضح الأمر وظهر، والعرب تضرب بالقمر مثلاً فيما وضح أمره، والثاني: أن انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه بطلوعه في أثنائها كما يسمى الصبح فلقاً لانفلاق الظلمة عنه، وقد يعبر عن انفلاقه بانشقاقه.

الثالث: أنه انشقاق القمر على حقيقة انشقاقه.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{اقتربت} معناه: قربت إلا أنه أبلغ، كما أن اقتدر أبلغ من قدر. و: {الساعة} القيامة وأمرها مجهول التحديد لم يعلم، إلا أنها قربت دون تحديد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين»، وأشار بالسبابة والوسطى. وقال أنس: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كادت الشمس تغيب فقال: «ما بقي من الدنيا فيما مضى إلا كمثل ما بقي من هذا اليوم فيما مضى»... وكل ما يروى عن عمر الدنيا من التحديد فضعيف واهن.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

وقد ثبت بنقل الآحاد العدول أن القمر انشق بمكة، وهو ظاهر التنزيل، ولا يلزم أن يستوي الناس فيها؛ لأنها كانت آية ليلية، وأنها كانت باستدعاء النبي صلى الله عليه وسلم من الله تعالى عند التحدي.

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

والظاهر أن المراد باقتراب الساعة القرب الشديد الزماني، وكل آت قريب، وزمان العالم مديد، والباقي بالنسبة إلى الماضي شيء يسير، وحاصله أنها ممكنة إمكاناً قريباً لا ينبغي لأحد إنكارها، واستعمال الاقتراب مع أنه أمر مقطوع به كاستعمال {لَعَلَّ} في قوله تعالى: {لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب: 63] مع أن الأمر معلوم عند الله تعالى وانشقاق القمر آية ظاهرة على هذا القرب...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وهو حادث واجه به القرآن المشركين في حينه؛ ولم يرو عنهم تكذيب لوقوعه؛ فلا بد أن يكون قد وقع فعلا بصورة يتعذر معها التكذيب، ولو على سبيل المراء الذي كانوا يمارونه في الآيات، لو وجدوا منفذا للتكذيب. وكل ما روي عنهم أنهم قالوا: سحرنا! ولكنهم هم أنفسهم اختبروا الأمر، فعرفوا أنه ليس بسحر؛ فلئن كان قد سحرهم فإنه لا يسحر المسافرين خارج مكة الذين رأوا الحادث وشهدوا به حين سئلوا عنه. بقيت لنا كلمة في الرواية التي تقول: إن المشركين سألوا النبي [صلى الله عليه وسلم] آية. فانشق القمر. فإن هذه الرواية تصطدم مع مفهوم نص قرآني مدلوله أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] لم يرسل بخوارق من نوع الخوارق التي جاءت مع الرسل قبله...

فأما ما وقع فعلا للرسول [صلى الله عليه وسلم] من خوارق شهدت بها روايات صحيحة فكان إكراما من الله لعبده، لا دليلا لإثبات رسالته.. ومن ثم نثبت الحادث -حادث انشقاق القمر- بالنص القرآني وبالروايات المتواترة التي تحدد مكان الحادث وزمانه وهيئته. ونتوقف في تعليله الذي ذكرته بعض الروايات. ونكتفي بإشارة القرآن إليه مع الإشارة إلى اقتراب الساعة. باعتبار هذه الإشارة لمسة للقلب البشري ليستيقظ ويستجيب.. وانشقاق القمر إذن كان آية كونية يوجه القرآن القلوب والأنظار إليها، كما يوجهها دائما إلى الآيات الكونية الأخرى؛ ويعجب من أمرهم وموقفهم إزاءها، كما يعجب من مواقفهم تجاه آيات الله الكونية الأخرى ....

(وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا: سحر مستمر. وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر. ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر. حكمة بالغة فما تغني النذر). ولقد أعرضوا وقالوا: سحرنا، وهم يرون آية الله في انشقاق القمر. وكان هذا رأيهم مع آية القرآن. فقالوا: سحر يؤثر. فهذا قولهم كلما رأوا آية. ولما كانت الآيات متوالية متواصلة، فقد قالوا: إنه سحر مستمر لا ينقطع، معرضين عن تدبر طبيعة الآيات وحقيقتها، معرضين كذلك عن دلالتها وشهادتها.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

من عادة القرآن أن ينتهز الفرصة لإِعادة الموعظة والتذكير حتى يتضاءل تعلق النفوس بالدنيا، وتُفكّر فيما بعد الموت وتُعير آذانها لداعي الهدى...

فتصدير السورة ب {اقتربت الساعة} للاهتمام بالموعظة...

إذ قد تقرر المقصود من تصديق المعجزة. فجعلت تلك المعجزة وسيلة للتذكير باقتراب الساعة على طريقة الإِدماج بمناسبة أن القمر كائن من الكائنات السماوية ذات النظام المساير لنظام الجو الأرضي فلما حدث تغير في نظامه لم يكن مألوفاً ناسب تنبيه الناس للاعتبار بإمكان اضمحلال هذا العالم، وكان فعل الماضي مستعملاً في حقيقته...

. {وانشق} مطاوع شقه، والشق: فرج وتفرّق بين أديم جسم مَّا بحيث لا تنفصل قطعة مجموع ذلك الجسم عن البقية، ويُسمى أيضاً تصدعاً كما يقع في عُود أو جدار. فإطلاق الانشقاق على حدوث هوة في سطح القمر إطلاق حقيقي وإطلاقه على انطماس بعض ضوئه استعارة، وإطلاقه على تفرقة نصفين مجاز مرسل. والاقتراب أصله صيغة مطاوعة، أي قبول فعل الفاعل، وهو هنا للمبالغة في القرب فإن حمل على حقيقة القرب فهو قرب اعتباري، أي قرب حلول الساعة فيما يأتي من الزمان قرباً نسبياً بالنسبة لما مضى من الزمان ابتداء من خلق السماء والأرض على نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم. وفائدة هذا الاعتبار أن يقبل الناس على نبذ الشرك وعلى الاستكثار من الأعمال الصالحات واجتناب الآثام لقرب يوم الجزاء.

والساعة: علم بالغلبة على وقت فناء هذا العالم. ويجوز أن يراد بالساعة ساعة معهودة أنذروا بها في آيات كثيرة وهي ساعة استئصال المشركين بسيوف المسلمين. وإن حمل القرب على المجاز، أي الدلالة على الإمكان، فالمعنى: اتضح للناس ما كانوا يجدونه محالاً من فناء العالم فإن لحصول المُثُل والنظائر إقناعاً بإمكان أمثالها التي هي أقوى منها...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ}. هل الحديث عن اقتراب الساعة هو حديثٌ يطال مرحلة نزول القرآن، ليكون المقصود منه توجيه القلب إلى مراقبة الزمن وتأمل أفول الدنيا واقتراب يوم القيامة في كل يوم يذهب، وفي كل مرحلةٍ تنقضي، ليستعد الإنسان لمواجهة يوم القيامة بالموقف المسؤول في الدنيا الذي ينفتح على الآخرة؟

أو هو حديثٌ عن المرحلة التي تسبق نهاية الدنيا، ليكون الحديث عن المستقبل بصيغة الماضي، على أساس أنَّ تحقّق الحديث في المستقبل يجعله بمنزلة الحقيقة الحادثة؟

كلا الاحتمالين وارد، وهو في كلٍّ منهما جزء من الأسلوب القرآني الذي يجعل يوم القيامة عنواناً متحركاً في الفكر والحس والوجدان، ليكون الغاية التي يتطلع الناس إلى الوصول إليها في أمانٍ وسلام.