الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القمر وهي مكية بإجماعهم ، وقال مقاتل : مكية غير آية { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ } [ القمر : 45 ] ، وحكي عنه أنه قال : إلا ثلاث آيات ، أولها : { أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } إلى قوله : { وَأَمَرُّ } [ القمر : 44 46 ] ، قال ابن عباس : اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن فعلت تؤمنون ؟ ) قالوا : نعم ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يعطيه ما قالوا ، فانشق القمر فرقتين ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي : ( يا فلان يا فلان اشهدوا ) ، وذلك بمكة قبل الهجرة . وقد روى البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث ابن مسعود قال : انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اشهدوا " . وقد روى حديث الانشقاق جماعة ، منهم عبد الله بن عمر ، وحذيفة ، وجبير بن مطعم ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، وعلى هذا جميع المفسرين ، إلا أن قوما شذوا فقالوا : سينشق يوم القيامة .

وقد روى عثمان بن عطاء عن أبيه نحو ذلك ، وهذا القول الشاذ لا يقاوم الإجماع ، ولأن قوله : { وَانشَقَّ } لفظ ماض ، وحمل لفظ الماضي على المستقبل يفتقر إلى قرينة تنقله ودليل ، وليس ذلك موجودا . وفي قوله : { وإن يروا آية يعرضوا } دليل على أنه قد كان ذلك .

ومعنى { اقْتَرَبَتِ } : دنت ، و{ السَّاعَةَ } القيامة . وقال الفراء : فيه تقديم وتأخير ، تقديره : انشق القمر واقتربت الساعة . وقال مجاهد : انشق القمر فصار فرقتين ، فثبتت فرقة ، وذهبت فرقة وراء الجبل . وقال ابن زيد : لما انشق القمر كان يرى نصفه على قعيقعان ، والنصف الآخر على أبي قبيس -قال ابن مسعود : لما انشق القمر قالت قريش : سحركم ابن أبي كبشة ، فاسألوا السفار ، فسألوهم ، فقالوا : نعم قد رأيناه ، فأنزل الله عز وجل : { اقتربت الساعة وانشق القمر } .