المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

( 54 ) سورة القمر مكية

وآياتها خمس وخمسون

تفسير سورة القمر{[1]}

وهي مكية بإجماع إلا آية واحدة اختلف فيها ، فقال جمهور الناس : هي مكية ، وقال قوم : هي مما نزل يوم بدر ، وقيل : بالمدينة ، وهي قوله تعالى :{ سيهزم الجمع ويولون الدبر }{[2]} ، وسيأتي القول في ذلك .

{ اقتربت } معناه : قربت إلا أنه أبلغ ، كما أن اقتدر أبلغ من قدر . و : { الساعة } القيامة وأمرها مجهول التحديد لم يعلم ، إلا أنها قربت دون تحديد ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «بعثت أنا والساعة كهاتين » ، وأشار بالسبابة والوسطى{[10751]} . وقال أنس : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كادت الشمس تغيب فقال : «ما بقي من الدنيا فيما مضى إلا كمثل ما بقي من هذا اليوم فيما مضى »{[10752]} .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إني لأرجو أن يؤخر الله أمتي نصف يوم »{[10753]} وهذا منه على جهة الرجاء والظن لم يجزم به خبراً ، فأناب الله به على أمله وأخر أمته أكثر من رجائه ، وكل ما يروى عن عمر الدنيا من التحديد فضعيف واهن .

وقوله : { انشق القمر } إخبار عما وقع في ذلك ، وذكر الثعلبي أنه قيل إن المعنى ينشق القمر يوم القيامة ، وهذا ضعيف الأمة على خلافه ، وذلك أن قريشاً سألت رسول الله آية فقيل مجملة ، وهذا قول الجمهور ، وقيل بل عاينوا شق القمر ، ذكره الثعلبي عن ابن عباس فأراهم الله انشقاق القمر ، فرآه رسول الله وجماعة من المسلمين والكفار ، فقال رسول الله «اشهدوا »{[10754]} وممن قال من الصحابة رأيته : عبد الله بن مسعود وجبير بن مطعم وأخبر به عبد الله بن عمر وأنس وابن عباس وحذيفة بن اليمان ، وقال المشركون عند ذلك : سحرنا محمد . وقال بعضهم : سحر القمر وقالت قريش استخبروا المسافرين القادمين عليكم ، فما ورد أحد إلا أخبر بانشقاقه وقال ابن مسعود : رأيته انشق فذهبت فرقة وراء جبل حراء ، وقال ابن زيد : كان يرى نصفه على ُقَعْيِقَعان والآخر على أبي قبيس . وقرأ حذيفة : «اقتربت الساعة وقد انشق القمر » ، وذكر الثعلبي عنه أن قراءته : «اقتربت الساعة انشق القمر » دون واو .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[10751]:أخرجه الإمام أحمد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، عن أنس رضي الله عنه، وأخرجه الأئمة أحمد، والبخاري، ومسلم عن سهل بن سعد، ذكر ذلك الإمام السيوطي في "الجامع الصغير" ورمز له بأنه حديث صحيح.
[10752]:رواه الحافظ البزار بسنده عن قتادة عن أنس، وقال ابن كثير بعد أن ذكر الحديث بسنده:"قلت: هذا حديث مداره على خلف بن موسى بن خلف العمي عن أبيه، وقد ذكره ابن حبان في الثقاة، وقال: ربما أخطأ"، ثم أورد حديثا آخر رواه الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال: إنه يعضد الذي قبله، ولفظه كما في مسند أحمد:(كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس على قُعيقعان بعد العصر، فقال: ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من النهار فيما مضى).
[10753]:أخرجه أبو داود في الملاحم، وأحمد في مسنده(1-170)، ولفظه كما في المسند عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إني لأرجو ألا يعجز أمتي عند ربي أن يؤخرهم نصف يوم)، فقيل لسعد: وكم نصف اليوم؟ قال: خمسمائة سنة.
[10754]:أخرجه عبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، وابن جرير، وابن مردويه-من طريق أبي معمر- عن ابن مسعود، قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين: فرقة فوق الجبل وفرقة دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا، وأخرج مثله ابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل-من طريق علقمة- عن ابن مسعود، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى، فانشق القمر حتى صار فرقتين، فتوارت فرقة خلف الجبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اشهدوا، وأخرج مثله مسلم، والترمذي، وابن جرير وابن المنذر، وابن مردويه، والحاكم، والبيهقي، وأبو نعيم في الدلائل-من طريق مجاهد- عن ابن عمر، وفي آخره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اشهد، وأخرج أبو نعيم في الحلية- من طريق عطاء، والضحاك- عن ابن عباس...مثله، إلا أنه ذكر أسماء الكفار الذين طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم آية.