غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

{ سورة القمر وهي مكية حروفها ألف وأربعمائة وثلاثة وعشرون كلماتها ثلاثمائة واثنتان وأربعون آياتها خمس وخمسون } .

1

التفسير : أول هذه السورة مناسب لآخر السورة المتقدمة { أزفت الآزفة } [ النجم : 57 ] إلا أنه ذكر هاهنا دليلاً على الاقتراب وهو قوله { وانشق القمر } في الصحيحين عن أنس أن الكفار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر مرتين . وعن ابن عباس : انفاق فلقتين فلقة ذهبت وفلقة بقيت . وقال ابن مسعود : رأيت حراء بين فلقتي القمر . وعن حذيفة أنه خطب بالمدائن ثم قال : ألا إن الساعة قد اقتربت وإن القمر قد انشق على عهد نبيكم صلى الله عليه وسلم هذا قول أكثر المفسرين . وعن بعضهم أن المراد سينشق القمر وصيغة الماضي على عادة إخبار الله ، وذلك أن انشقاق القمر أمر عظيم الوقع في النفوس فكان ينبغي أن يبلغ وقوعه حد التواتر وليس كذلك . وأجيب بأن الناقلين لعلهم اكتفوا بإعجاز القرآن عن تشهير سائر المعجزات بحيث يبلغ التواتر . وأيضاً إنه سبحانه جعل انشقاق القمر آية من الآيات لرسوله ولو كانت مجرد علامة القيامة لم يكن معجزة له كما لم يكن خروج دابة الأرض وطلوع الشمس من المغرب وغيرهما معجزات له ، نعم كلها مشتركة في نوع آخر من الإعجاز وهو الإخبار عن الغيوب . وزعم بعض أهل التنجيم أن ذلك كان حالة شبه الخسوف ذهب بعض جرم القمر عن البصر وظهر في الجو شيء مثل نصف جرم القمر نحن نقول : إخبار الصادق بأن يتمسك به أولى من قول الفلسفي . هذا مع أن استدلالهم على امتناع الخرق في السماويات لا يتم كما بينا في الحكمة . وكيف يدل انشقاق القمر على اقتراب الساعة نقول : من جهة إن ذلك يدل على جواز انخراق السماويات وخرابها خلاف ما زعمه منكرو الحشر من الفلاسفة وغيرهم . ومن هاهنا ظن بعضهم وإليه ميل الإمام فخر الدين الرازي أن المراد باقتراب الساعة ليس هو القرب الزماني وإنما المراد قربها في العقول في الأذهان كأنه لم يبق بعد ظهور هذه الآية للمكر مجال . واستعمال لفظ الاقتراب هاهنا مع أنه مقطوع به كاستعمال " لعل " في قوله { لعل الساعة تكون قريباً } [ الأحزاب :63 ] والأمر عند الله معلوم . قال : وإنما ذهبنا إلى هذا التأويل لئلا يبقى للكافر مجال الجدال فإنه قد مضى قرب سبعمائة سنة ولم تقم الساعة ولا يصح إطلاق لفظ القرب على مثل هذا الزمان . والجواب أن كل ما هو آتٍ قريب وزمان العالم زمان مديد والباقي بالنسبة على الماضي شيء يسير قال أهل اللغة : في " افتعل " مزيد تشجم ومبالغة فمعنى اقترب دنا دنواً قريباً ، وكذلك اقتدر أبلغ من قدر . ثم بين أن ظهور آيات الله لا يؤثر فيهم بل يزيد في عنادهم وتمردهم حتى سموها سحراً مستمراً أي دائماً مطرداً كأنهم قابلوا ترادف الآيات وتتابع المعجزات باستمرار السحر ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي كل أوان بمعجزة قولية أو فعلية سماوية أو أرضية .

وقيل : هو من قولهم " حبل مرير الفتل " من المرة وهي الشدة أي سحر قوي محكم . وقيل : من المرارة يقال : استمر الشيء إذا اشتد مراراته أي سحر مستبشع مر في مذاقنا . وقيل : مستمر أي مار ذاهب زائل عما قريب . عللوا أنفسهم بالأماني الفارغة فخيب الله آمالهم بإعلاء الدين وتكامل قوته كل يوم .

/خ55