اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القمر مكية في قول الجمهور . وقال مقاتل : مكية إلا ثلاث آيات : { أم يقولون نحن جميع منتصر } إلى قوله : { والساعة أدهى وأمرّ } [ القمر 44 -46 ] . والصحيح الأول ، وهي خمس وخمسون آية ، وثلاثمائة واثنتان وأربعون كلمة وألف وأربعمائة وثلاثة وعشرون حرفا{[1]}

بسم الله الرحمان الرحيم

قوله تعالى : { اقتربت الساعة وانشق القمر } أول هذه السورة مناسب لآخر ما قبلها ، وهو قوله تعالى : { أَزِفَتِ الآزفة } ، فكأنه أعاد ذلك مستدلاً عليه بقوله تعالى : { أَزِفَتِ الآزفة } ، وهو حقٌّ ؛ إذ القمر انشق بقوله : «وَانْشَقَّ الْقَمَرُ » ماض على حقيقته ، وهو قول عامة المسلمين إلا من لا يلتفت إلى قوله . وقد صح في الأخبار أن القمر انشق على عهده - عليه الصلاة والسلام - مرتين . روى أنس بن مالك - ( رضي الله عنه ) - أن أهل مكة سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يريهم آيةً ، فأراهُمُ القمر شَقَّتَيْنِ حتى رأوا حِرَاءَ بينهما ، وقال سنان عن قتادة : فأراهم انشقاق القمر مرتين . وعن ابن مسعود - ( رضي الله عنه ){[53834]} - قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فِرْقَتَيْن فرقةً فوق الجبل ، وفرقةٌ دونه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «اشْهَدُوا » . وقال أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله : لم ينشق بمكة . وقال مقاتل : انشق القمر ، ثم الْتَأَمَ بعد ذلك .

وروى أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت قريش : سحركم ابن أبي كبشة فقَدِموا السُّفَّار فسألوهم قالوا : نعم قد رأينا ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { اقتربت الساعة وانشق القمر }{[53835]} . وقيل : انشق بمعنى سينشق يوم القيامة ، فأوقع الماضي موقع المستقبل لتحققه وهو خلاف الإجماع{[53836]} . وقيل : انشق بمعنى انفلق عنه الظلام عند طلوعه كما يسمى الصبح فلقاً{[53837]} وأنشد للنابغة :

فَلَمَّا أَدْبَرُوا وَلَهُمْ دوِيٌّ *** دَعَانَا عِنْدَ شَقِّ الصُّبْحِ دَاعِي{[53838]}

وإنما ذكرنا ذلك تنبيهاً على ضعفه .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[53834]:ما بين الأقواس زيادة من (أ).
[53835]:وانظر البغوي والخازن 6/273 والقرطبي 17/126.
[53836]:نقل القرطبي أنه رأي القشيري -رحمه الله-.
[53837]:المرجع السابق دونما تحديد وتعيين لأحد.
[53838]:من الوافر من تمامه وهو للنابغة. وأتى بهذا البيت دلالة على أن الشق بمعنى الفلق وهو خطأ، لما تظاهرت الراوايات على أن القمر انشق فرقتين بمكة. وانظر هذا البيت في تفسير القرطبي 17/126 والبحر المحيط 8/173 ولم أجده بديوانه.