النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة اقتربت ( القمر )

مكية في قول الجمهور ، وقال مقاتل إلا ثلاث آيات من قوله " أم يقولون نحن جميع منتصر " إلى قوله " والساعة أدهى وأمرّ " {[1]}

بسم الله الرحمان الرحيم

قوله تعالى : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ } أي دنت وقربت ، قال الشاعر :

قد اقتربت لو كان في قرب دارها *** جداء ولكن قد تضر وتنفع

والمراد بالساعة القيامة ، وفي تسميتها بالساعة وجهان :

أحدهما : لسرعة الأمر فيها .

الثاني : لمجيئها في ساعة من يومها .

وروى طارق بن شهاب عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَلاَ يَزْدَادُ النَّاسُ عَلَى الدُّنْيَا إلاَّ حِرْصاً وَلاَ تَزْدَادُ مِنْهُمْ إِلاَّ بُعْداً " .

{ وَانشَقَّ القَمَرُ } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : معناه وضح الأمر وظهر والعرب تضرب بالقمر مثلاً فيما وضح أمره ، قال الشاعر{[2823]}

:

أقيموا بني أمي صدور مطيكم *** فإني إلى قوم سواكم لأميل

فقد حمّت الحاجات والليل مقمر *** وشدت لطيات مطايا وأرحل

والثاني : أن انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه بطلوعه في أثنائها كما يسمى الصبح فلقاً لانفلاق الظلمة عنه ، وقد يعبر عن انفلاقه بانشقاقه ، كما قال النابغة الجعدي :

فلما أدبروا ولهم دوي *** دعانا عند شق الصبح داعي

الثالث : أنه انشقاق القمر على حقيقة انشقاقه .

وفيه على هذا التأويل قولان :

أحدهما : أنه ينشق بعد مجيء الساعة وهي النفخة الثانية ، قاله الحسن ، قال : لأنه لو انشق ما بقي أحد إلا رآه لأنها آية والناس في الآيات سواء .

الثاني : وهو قول الجمهور وظاهر التنزيل أن القمر انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن سأله عمه حمزة بن عبد المطلب حين أسلم غضباً لسب أبي جهل لرسول الله ، أن يريه آية يزداد بها يقيناً في إيمانه ، وروى مجاهد عن أبي معمر عن أبي مسعود قال : رأيت القمر منشقاً شقتين بمكة قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، شقة على أبي قبيس ، وشقة على السويدا فقالوا : سحر القمر ، فنزلت { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَ القَمَرُ{[2824]} } .

يقول : كما رأيتم القمر منشقا فإن الذي أخبرتكم من اقتراب الساعة حتى . قال ابن الأنباري : وهو على التقديم والتأخير وتقديره انشق القمر واقتربت الساعة . وهو على ما تقدم من التأويلات على سياقه لا تقديم فيه ولا تأخير .


[1]:- ذكر العلماء لفاتحة الكتاب اثنى عشر اسما هي: فاتحة الكتاب وأم القرآن وأم الكتاب وسورة الصلاة وسورة الحمد والسبع المثاني والقرآن العظيم والشفاء والرقية والأساس والوافية والكافية، والحديث عند أبي داود رقم 1457 والترمذي رقم 3320.
[2823]:هو الشنفري واسمه ثابت بن أوس الأزدى لقب بالشنفري لعظم شفته، وهو أحد صعاليك العرب وعدائيها، وهذان البيتان مطلع قصيدته التي تعرف بلامية العرب وتقع في ثمانية وستين بيتا شرحها المبرد وثعلب والزمخشري.
[2824]:هذا الحديث رواه البخاري 6/ 464 في تفسير سورة اقتربت الساعة. ورواه مسلم رقم 2800، والترمذي في تفسير سورة القمر رقم 3281 وهو عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك بروايات فيها بعض اختلاف. انظر جامع الأصول 11/396.