معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ} (47)

قوله تعالى : { ونضع الموازين القسط } أي ذوات القسط ، والقسط : العدل ، { ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً } لا ينقص من ثواب حسناتها ولا يزاد على سيئاتها ، وفي الأخبار : أن الميزان له لسان وكفتان . روي أن داود عليه السلام سأل ربه أن يريه الميزان ، فأراه كل كفة ما بين المشرق والمغرب ، فغشي عليه ، ثم أفاق فقال : يا إلهي من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات ، فقال : يا داود إني إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة { وإن كان } الشيء { مثقال حبة } أي : زنة مثقال حبة{ من خردل } قرأ أهل المدينة ( مثقال ) برفع اللام هاهنا ، وفي سورة لقمان يعني : وإن وقع مثقال حبة من خردل ، ونصبها الآخرون على معنى : وإن كان ذلك الشيء مثقال حبة يعني : زنة مثقال حبة من خردل ، { أتينا بها } أحضرناها لنجازي بها { وكفى بنا حاسبين } قال السدي : محصين ، والحسب معناه : العد ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : عالمين حافظين ، لأن من حسب شيئاً علمه وحفظه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ} (47)

{ 47 ْ } { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ْ }

يخبر تعالى عن حكمه العدل ، وقضائه القسط بين عباده إذا جمعهم في يوم القيامة ، وأنه يضع لهم الموازين العادلة ، التي يبين فيها مثاقيل الذر ، الذي توزن بها الحسنات والسيئات ، { فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ ْ } مسلمة أو كافرة { شَيْئًا ْ } بأن تنقص من حسناتها ، أو يزاد في سيئاتها .

{ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ْ } التي هي أصغر الأشياء وأحقرها ، من خير أو شر { أَتَيْنَا بِهَا ْ } وأحضرناها ، ليجازى بها صاحبها ، كقوله : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ْ }

وقالوا { يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ْ }

{ وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ْ } يعني بذلك نفسه الكريمة ، فكفى به حاسبا ، أي : عالما بأعمال العباد ، حافظا لها ، مثبتا لها في الكتاب ، عالما بمقاديرها ومقادير ثوابها وعقابها واستحقاقها ، موصلا للعمال جزاءها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ} (47)

ثم بين - سبحانه - مظهرا من مظاهر عدله مع عباده يوم القيامة فقال : { وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً . . . } .

أى : ونحضر الموازين العادلة لمحاسبة الناس على أعمالهم يوم القيامة ولإعطاء كل واحد منهم ما يستحقه من ثواب أو عقاب ، دون أن يظلم ربك أحداً من خلقه .

{ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حَاسِبِينَ } أى : وإن كانت الأعمال التى عملها الإنسان فى الدنيا فى نهاية الحقارة والقلة ، أتينا بها فى صحيفة عمله لتوزن ، وكفى بنا عادِّين ومحصين على الناس أعمالهم ، إذ لا يخفى علينا شىء منها سواء أكان قليلا أم كثيراً .

قال ابن كثير : قوله : { وَنَضَعُ الموازين } الأكثر على أنه ميزان واحد ، وإنما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه .

وقال القرطبى : " الموازين : جمع ميزان ، فقيل : إنه يدل بظاهره على أن لكل مكلف ميزانا توزن به أعماله ، فتوضع الحسنات فى كفة ، والسيئات فى كفة .

وقيل : يجوز أن يكون هناك موازين للعامل الواحد ، يوزن بكل ميزان منها صنف من أعماله . . . وقيل : ذِكْر الميزان مثَل وليس ثَمَّ ميزان وإنما هو العدل ، والذى وردت به الأخبار ، وعليه السواد الأعظم القول الأول . و " القسط " صفة الموازين ووحد لأنه مصدر . . .

واللام فى قوله { لِيَوْمِ القيامة } قيل للتوقيت . أى للدلالة على الوقت ، كقولهم : جاء فلان لخمس ليال بقين من الشهر . وقيل هى لام كى ، أى : لأجل يوم القيامة ، أو بمعنى فى أى : في يوم القيامة .

وقوله - سبحانه - { فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } بيان للعدل الإلهى ، وأنه - سبحانه - لا يظلم أحدا شيئا مما له أو عليه ، أى : فلا تظلم نفس شيئا من الظلم لا قليلا ولا كثيراً .

وقوله { وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا } تصوير لدقة الحساب ، وعدم مغادرته لشىء من أعمال الناس ، إذ الخردل حب فى غاية الصغر والدقة . ومثقال الشىء : وزنه .

وأنث الضمير فى قوله " بها " وهو راجع إلى المضاف الذى هو " حبة من خردل " .

وقوله - سبحانه - : { وكفى بِنَا حَاسِبِينَ } بيان لإحاطة الله - تعالى - : بعلم كل شىء . كما قال - تعالى - { إِنَّ الله لاَ يخفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرض وَلاَ فِي السمآء } وفى معنى هذه الآية وردت آيات كثيرة منها قوله - تعالى - : { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } وقوله - سبحانه - : { يابني إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السماوات أَوْ فِي الأرض يَأْتِ بِهَا الله إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ } وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد ذكرت أولئك المشركين بجانب من نعم الله - تعالى - عليهم ، وحضهم على التدبر والاتعاظ ، وأنذرتهم بسوء العاقبة إذا ما استمروا فى كفرهم وشركهم ، وصورت لهم دقة الحساب يوم القيامة ، وأن كل إنسان سيحاسب على عمله سواء أكان صغيرا أم كبيرا ، ولا يظلم ربك أحدا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ} (47)

36

ويختم الشوط بالإيقاع الأخير من مشاهد يوم الحساب :

( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا . وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها . وكفى بنا حاسبين ) . .

والحبة من خردل تصور أصغر ما تراه العيون وأخفه في الميزان ، وهي لا تترك يوم الحساب ولا تضيع . والميزان الدقيق يشيل بها أو يميل !

فلتنظر نفس ما قدمت لغد . وليصغ قلب إلى النذير . وليبادر الغافلون المعرضون المستهزئون قبل أن يحق النذير في الدنيا أو في الآخرة . فإنهم إن نجوا من عذاب الدنيا فهناك عذاب الآخرة الذي تعد موازينه ، فلا تظلم نفس شيئا ، ولا يهمل مثقال حبة من خردل .

وهكذا ترتبط موازين الآخرة الدقيقة ، بنواميس الكون الدقيقة ، بسنن الدعوات ، وطبائع الحياة والناس . وتلتقي كلها متناسقة موحدة في يد الإرادة الواحدة مما يشهد لقضية التوحيد وهي محور السورة الأصيل .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ} (47)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىَ بِنَا حَاسِبِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وَنَضَعُ المَوَازِينَ العدل وهو القِسْطَ . وجعل القسط وهو موحد من نعت الموازين ، وهو جمع لأنه في مذهب عدل ورضا ونظر . وقوله : لِيَوْمِ القِيامَةِ يقول : لأهل يوم القيامة ، ومن ورد على الله في ذلك اليوم من خلقه . وقد كان بعض أهل العربية يوجه معنى ذلك إلى «في » كأن معناه عنده : ونضع الموازين القسط في يوم القيامة . وقوله : فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئا يقول : فلا يظلم الله نفسا ممن ورد عليه منهم شيئا بأن يعاقبه بذنب لم يعمله أو يبخسه ثواب عمل عمله وطاعة أطاعه بها ولكن يجازي المحسن بإحسانه ، ولا يعاقب مسيئا إلا بإساءته .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَةِ . . . إلى آخر الاَية ، وهو كقوله : وَالوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقّ يعني بالوزن : القِسط بينهم بالحقّ في الأعمال الحسنات والسيئات فمن أحاطت حسناته بسيئاته ثقلت موازينه ، يقول : أذهبت حسناته سيئاته ، ومن أحاطت سيئاته بحسناته فقد خفّت موازينه وأمه هاوية ، يقول : أذهبت سيئاته حسناته .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَةِ قال : إنما هو مثل ، كما يجوز الوزن كذلك يجوز الحقّ . قال الثوري : قال ليث عن مجاهد : وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ قال : العدل .

وقوله : وَإنْ كانَ مِثْقالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلِ أتَيْنا بِها يقول : وإن كان الذي له من عمل الحسنات أو عليه من السيئات وزن حبة من خردل أتَيْنَا بِهَا يقول : جئنا بها فأحضرناها إياه . كما :

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإنْ كانَ مِثْقالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أتَيْنا بِها قال : كتبناها وأحصيناها له وعليه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَإنْ كانَ مِثْقالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أتَيْنا بِها قال : يؤتي بها لك وعليك ، ثم يعفو إن شاء أو يأخذ ، ويجزي بما عمل له من طاعة .

وكان مجاهد يقول في ذلك ما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَإنْ كانَ مِثْقالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أتَيْنا بِها قال : جازينا بها .

حدثنا عمرو بن عبد الحميد ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد أنه كان يقول : وَإنْ كانَ مِثْقالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أتَيْنا بِها قال : جازينا بها .

وقال : أتَيْنَا بِهَا فأخرج قوله بها مخرج كناية المؤنث ، وإن كان الذي تقدم ذلك قوله مثقال حبة ، لأنه عني بقوله بها الحبة دون المثقال ، ولو عني به المثقال لقيل «به » . وقد ذكر أن مجاهدا إنما تأوّل قوله : أتَيْنا بِها على ما ذكرنا عنه ، لأنه كان يقرأ ذلك : «آتَيْنا بِها » بمدّ الألف . وقوله : وكَفَى بِنا حاسِبِينَ يقول : وحسب من شهد ذلك الموقف بنا حاسبين ، لأنه لا أحد أعلم بأعمالهم وما سلف في الدّنا من صالح أو سيىء منا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ} (47)

{ ونضع الموازين القسط } العدل توزن بها صحائف الأعمال . وقيل وضع الموازين تمثيل لإرصاد الحساب السوي والجزاء على حسب الأعمال بالعدل ، وإفراد { القسط } لأنه مصدر وصف به للمبالغة . { ليوم القيامة } لجزاء يوم القيامة أو لأهله ، أو فيه كقولك : جئت لخمس خلون من الشهر . { فلا تظلم نفس شيئا } من حقها أو من الظلم . { وإن كان مثقال حبة من خردل } أي وإن كان العمل أو الظلم مقدار حبة ، ورفع نافع { مثقال } على كان التامة أتينا بها أحضرناها ، وقرىء { آتينا } بمعنى جازينا بها من الإيتاء فإنه قريب من أعطينا ، أو من المؤاتاة فإنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء وأثبنا من الثواب وجئنا ، والضمير للمثقال وتأنيثه لإضافته إلى { حبة } { وكفى بنا حاسبين } إذ لا مزيد على علمنا وعدلنا .