فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ} (47)

{ وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة } الموازين جمع ميزان ، وهو يدل على أن هناك موازين ، ويمكن أن يراد ميزان واحد ، عبر عنه بلفظ الجمع ، وقد ورد في السنة في صفة الميزان ما فيه كفاية ، وقد مضى في الأعراف ، وفي الكهف في هذا ما يغني عن الإعادة ، والقسط : صفة للموازين . قال الزجاج : قسط : مصدر يوصف به ، تقول : ميزان قسط وموازين قسط ، والمعنى : ذوات قسط ، والقسط : العدل . وقرئ «القصط » بالصاد والطاء ، ومعنى { لِيَوْمِ القيامة } لأهل يوم القيامة . وقيل : اللام بمعنى في ، أي في يوم القيامة { فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } أي لا ينقص من إحسان محسن ولا يزاد في إساءة مسيء { وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ } قرأ نافع وشيبة وأبو جعفر برفع { مثقال } على أن كان تامة ، أي إن وقع أو وجد مثقال حبة . وقرأ الباقون بنصب المثقال على تقدير : وإن كان العمل المدلول عليه بوضع الموازين مثقال حبة ، كذا قال الزجاج . وقال أبو عليّ الفارسي : وإن كان الظلامة مثقال حبة . قال الواحدي : وهذا أحسن لتقدّم قوله : { فلا تظلم نفس شيئاً } ، ومثقال الشيء ميزانه ، أي وإن كان في غاية الخفة والحقارة ، فإن حبة الخردل مثل في الصغر { أَتَيْنَا بِهَا } قرأ الجمهور بالقصر ، أي أحضرناها وجئنا بها للمجازاة عليها ، و{ بها } أي بحبة الخردل . وقرأ مجاهد وعكرمة : «آتينا » بالمدّ على معنى : جازينا بها ، يقال : آتى يؤاتي مؤاتاة جازى { وكفى بِنَا حاسبين } أي كفى بنا محصين . والحسب في الأصل معناه : العدّ ؛ وقيل : كفى بنا عالمين ، لأن من حسب شيئاً علمه وحفظه ، وقيل : كفى بنا مجازين على ما قدّموه من خير وشرّ .

/خ56