قوله { ونضع الموازين القسط } المراد من الوضع الإحضار والقسط أي العدل صفة الموازين وإن كان موحداً كقولهم للقوم " إنهم عدل " قاله الفراء . وعن الزجاج أراد ذوات القسط . واللام في { ليوم القيامة } بمعنى الوقت كما يقال " جئت لتاريخ كذا " . وقيل : أراد لأجل الحساب يوم القيامة . وقد مر تحقيق الوزن وما يتعلق به من الأبحاث في أول سورة الأعراف . يروي أن داود عليه السلام سال ربه أن يريه الميزان ، فلما رآه غشي عليه ثم أفاق فقال : يا إلهي من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات ؟ فقال : يا داود إني إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة .
وفي قوله { فلا تظلم نفس شيئاً } بحث بين المعتزلة والأشاعرة وقد مر مراراً { وإن كان } أي الوزن والعمل { مثقال حبة من خردل أتينا بها } أنت ضمير المثقال باعتبار إضافته إلى الحبة . قيل : الحبة أعظم من الخردلة فكيف قال : حبة من خردل ؟ وأجيب بأن الوجه فيه أن تفرض الخردلة كالدينار ثم تعتبر الحبة من ذلك الدينار ، والظاهر أنه أراد الحبة من حيث اللغة . وقوله { من خردل } بيان لها لأن الحبة أعم من أن تكون من الخردل أو من الحنطة أو من غيرهما ولكن المبالغة في الأول أكثر ، وذلك أن الخردلة سدس شعيرة وهي نصف سدس ثمن الدينار عند الحساب ونصف سدس سدسه في الشرع ، والحبة ثمن تسع الدينار في عرف حساب فارس والعراق ، فمثقال حبة من خردل يكون على الوجه الأول ثمن تسع خردلة ، وعلى ما قلنا يكون هو الخردل بعينه . والحاصل أن شيئاً من الأعمال صغيراً كان أو كبيراً غير ضائع من علم الله وأنه يجازي عليه . رؤي الشبلي في المنام فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فقال :
حاسبوني فدققوا *** ثم منوا فأعتقوا
قال في التفسير الكبير : زعم الجبائي أن من استحق مائة جزء من العقاب فأتى بطاعة يستحق بها خمسين جزءاً من الثواب فهذا الأقل منحبط بالأكثر كما كان . والآية تبطل قوله لأن الله تعالى تمدح بأن اليسير من الطاعة لا يسقط ، ولو كان الأمر كما قاله الجبائي لسقطت الطاعة من غير فائدة . قلت : للجبائي أن يقول : الإتيان بالطاعة مشروط عندي بعدم الإحباط كما أن العقاب على المعصية مشروط عندكم بعدم العفو . { وكفى بنا حاسبين } كقوله { وكفى بالله حسيباً } [ النساء : 6 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.