السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ} (47)

ثم ذكر تعالى بعض ما يفعل في حساب الساعة من العدل ، فقال عاطفاً على قوله تعالى : { بل تأتيهم بغتة } : { ونضع الموازين القسط } أي : ذوات العدل { ليوم القيامة } أي : فيه وإنما جمع الموازين لكثرة من توزن أعمالهم ويجوز أن يرجع إلى الوزنات وقيل : وضع الموازين تمثيلاً لإرصاد الحساب السويّ والجزاء على حسب الأعمال بالعدل والصحيح الذي عليه أئمة السلف أن الله تعالى يضع ميزاناً حقيقة توزن به أعمال العباد وعن الحسن هو الميزان له كفتان ولسان ، ويروى أنّ داود عليه السلام سأل ربه أن يريه الميزان ، فأراه كل كفة ما بين المشرق والمغرب ، فغشي عليه ثم أفاق فقال : إلهي من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات ، قال : يا داود إني إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة فإن قيل : كيف توزن الأعمال مع أنها أعراض ؟ أجيب : بأن فيه طريقين ؛ أحدهما أن توزن صحائف الأعمال فتوضع صحائف الحسنات في كفة وصحائف السيئات في كفة و الثاني أن توضع في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة وفي كفة السيئات جواهر سود مظلمة فإن قيل : هذه الآية يناقضها قوله تعالى في الكفار : { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً } [ الكهف ، 105 ] أجيب : بأن المراد منه أنا لا نكرمهم ولا نعظمهم { فلا تظلم نفس شيئاً } أي : من نقص حسنة أو زيادة سيئة { وإن كان } أي : العمل { مثقال } أي : وزن { حبة من خردل } أو أصغر منه وإنما مثل به لأنه غاية عندنا في القلة ، وقرأ نافع برفع اللام على أنّ كان تامّة والباقون بالنصب وكذا في لقمان { أتينا بها } أي : بوزنها ولما كان حساب الخلائق كلهم في كل ما صدر منهم أمراً باهراً للعقل حقره عند عظمته فقال : { وكفى بنا } أي : بما لنا من العظمة { حاسبين } أي : محصين في كل شيء ، فلا يكون في الحساب أحد مثلنا ، ففيه توعد من جهة أن معناه أن لا يروج عليه شيء من خداع ، ولا يقبل غلطاً ولا يضل ولا ينسى إلى غير ذلك من كل ما يلزم منه نوع لبس وشوب منقص ووعد من جهة أنه مطلع على حسن قصد وإن دق وخفي .