تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ} (47)

42

47 - وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ .

ونضع الموازين القسط : ذوات العدل ، توزن بها صحائف الأعمال .

ليوم القيامة : لجزاء يوم القيامة .

فلا تظلم نفس شيئا : من نقص حسنة أو زيادة سيئة .

حبة الخردل : مثل في الصغر .

أتينا بها : أحضرنا ، وأتينا بموزونها .

حاسبين : محصين كل شيء ، إذ لا مزيد على علمنا وعدلنا .

أي : ونضع الموازين العادلة للحساب يوم القيامة فتوزن الحسنات والسيئات ؛ فمن رجحت حسناته ؛ فهو من الناجين ، ومن رجحت سيئاته ؛ فهو من الخاسرين .

وذهب بعض المفسرين : إلى الإيمان بالميزان ، وهو جهاز دقيق توزن عليه الحسنات والسيئات .

وقال آخرون : هذا تصوير لدقة الجزاء والحساب ؛ فليس هناك جسم يسمى : الميزان ، بل المقصود : بيان : العدل المطلق في الحساب يوم القيامة ؛ لأنه بيد أعدل الحاسبين .

وأكثر المفسرين على الإيمان بالميزان ، وأنه جسم توزن به الأعمال يوم القيامة ، وهو جسم حقيقي حسي ، كما ذهب إلى ذلك ابن كثير في تفسيره .

وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا .

حبة الخردل : مثل في الصغر ؛ أي : إن كان العمل الذي عمله الإنسان صغيرا مقدار حبة الخردل ؛ جازينا عليه جزاء وفاقا سيئا كان أم حسنا .

قال تعالى : فمن يعمل مثال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره . الزلزلة : 7 ، 8 ) .

وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ .

تصور هذه الجملة إحاطة علم الله بكل شيء فهو مطلع على الكبير والصغير ويجازي على الفتيل والقطمير ، كما تصور الآية سرعة الحساب ، فالله عالم بكل شيء وهو سبحانه سريع الحساب لا يشغله شيء عن شيء ، فأعظم به عالما محاسبا عادلا حكيما !

قال تعالى : إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء . ( آل عمران : 5 ) .

وإذا كان المحاسب عالما دقيقا عادلا ؛ فمن الواجب على الجميع أن يخلصوا أعمالهم ، وأن يتقنوا العمل وأن يضاعفوا أعمالهم الطيبة ؛ لأن الجزاء من جنس العمل .

قال تعالى : إن الله لا يظم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما . ( النساء : 40 ) .

وقال سبحانه وتعالى : يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ . ( لقمان : 16 ) .

من تفسير ابن كثير :

أورد ابن كثير في تفسيره : طائفة من الأحاديث النبوية الشريفة ، من بينها حديث البطاقة ، وهو يفيد ؛ ( أن الله تعالى يعرض على رجل أعماله في سجلات السيئات كل سجل مد البصر ؛ فيعترف العبد بذنوبه حتى إذا يئس العبد ؛ قال له الله تعالى : إن لك عندنا حسنة واحدة ، لا ظلم عليك اليوم ، فيخرج له بطاقة فيها :

أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، فتوضع في كفة وسجلات السيئات في كفة ، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ، ولا يثقل مع اسم الله شيء )18 .

وفي الصحيحين : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن ، سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم )19 . وقد ختم البخاري . صحيحه بها الحديث الشريف .