معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖۚ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (240)

قوله تعالى : { والذين يتوفون منكم } . يا معشر الرجال .

قوله تعالى : { ويذرون } . أي يتركون .

قوله تعالى : { أزواجاً } . أي زوجات .

قوله تعالى : { وصية لأزواجهم } . قرأ أهل البصرة وابن عامر وحمزة وحفص وصية بالنصب على معنى " فليوصوا وصية " ، وقرا الباقون بالرفع ، أي كتب عليكم الوصية .

قوله تعالى : { متاعاً إلى الحول } . " متاعاً " نصب على المصدر أي متعوهن متاعاً ، وقيل : جعل الله ذلك لهن متاعاً ، والمتاع نفقة سنة لطعامها ، وكسوتها وسكنها وما تحتاج إليه .

قوله تعالى : { غير إخراج } . نصب على الحال ، وقيل بنزع حرف على الصفة ، أي من غير إخراج ، نزلت هذه الآية في رجل من أهل الطائف يقال له حكيم بن الحارث ، هاجر إلى المدينة وله أولاد ومعه أبواه وامرأته فمات ، فأنزل الله هذه الآية فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم والديه وأولاده من ميراثه ، ولم يؤت امرأته شيئاً ، وأمرهم أن ينفقوا عليها من تركة زوجها حولاً كاملاً ، وكانت عدة الوفاة في ابتداء الإسلام حولاً كاملا ، وكان يحرم على الوارث إخراجها من البيت قبل تمام الحول ، وكانت نفقتها وسكنها واجبة في مال زوجها تلك السنة ما لم تخرج ، ولم يكن لها الميراث ، فإن خرجت من بيت زوجها سقطت نفقتها ، وكان على الرجل أن يوصي بها فكان كذلك حتى نزلت آية الميراث ، فنسخ الله تعالى نفقة الحول بالربع والثمن ، ونسخ عدة الحول بأربعة أشهر وعشر .

قوله تعالى : { فإن خرجن } . يعني من قبل أنفسهن قبل الحول من غير إخراج الورثة .

قوله تعالى : { فلا جناح عليكم } . يا أولياء الميت .

قوله تعالى : { في ما فعلن في أنفسهن من معروف } . يعني التزين للنكاح ، وارفع الجناح عن الرجال وجهان : أحدهما : لا جناح عليكم في قطع النفقة إذا خرجن قبل انقضاء الحول . والآخر : لا جناح عليكم في ترك منعهن من الخروج لأن مقامها في بيت زوجها حولا غير واجب عليها ، خيرها الله تعالى بين أن تقيم حولاً ولها النفقة والسكنى ، وبين أن تخرج فلا نفقة ولا سكنى إلى أن نسخه بأربعة أشهر وعشر .

قوله تعالى : { والله عزيز حكيم } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖۚ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (240)

ثم قال تعالى : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

أي : الأزواج الذين يموتون ويتركون خلفهم أزواجا فعليهم أن يوصوا { وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } أي : يوصون أن يلزمن بيوتهم مدة سنة لا يخرجن منها { فإن خرجن } من أنفسهن { فلا جناح عليكم } أيها الأولياء { فيما فعلن في أنفسهم من معروف والله عزيز حكيم } أي : من مراجعة الزينة والطيب ونحو ذلك وأكثر المفسرين أن هذه الآية منسوخة بما قبلها وهي قوله : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } وقيل لم تنسخها بل الآية الأولى دلت على أن أربعة أشهر وعشر واجبة ، وما زاد على ذلك فهي مستحبة ينبغي فعلها تكميلا لحق الزوج ، ومراعاة للزوجة ، والدليل على أن ذلك مستحب أنه هنا نفى الجناح عن الأولياء إن خرجن قبل تكميل الحول ، فلو كان لزوم المسكن واجبا لم ينف الحرج عنهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖۚ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (240)

ثم ختمت السورة الكريمة حديثها عن أحكام الزواج وما يتعلق به من طلاق ووصية وعدة وغير ذلك من أحكام بقوله - تعالى - :

{ والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً . . . }

الآية الكريمة من هذه الآيات تبين بعض الحقوق التي شرعها الله - تعالى - للمرأة التي توفي عنها زوجها .

والمعنى : لقد شرع الله لكم فيما شرع من أحكام ، أن على المسلم قبل أن يحضره الموت أن يوصى لزوجته التي على قيد الحياة بما تنتفع به انتفاعاً مستمراً لمدة حول من وفاته ، ولا يصح أن يخرجها أحد من مسكن الزوجية .

وقوله : { وَصِيَّةً } فيه قراءتان مشهورتان .

القراءة الأولى بالنصب ، والتقدير : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً فليوصوا وصية ، أو كتب الله عليهم وصية لأزواجهم .

والقراءة الثانية بالرفع والتقدير : فعليهم وصية لأزواجهم .

وعلى قراءة النصب تكون كلمة { وَصِيَّةً } مفعولا مطلقاً أو مفعولا به ، وعلى قراء الرفع تكون مبتدأ محذوف الخبر . وقوله : { لأَزْوَاجِهِمْ } جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لكلمة { وَصِيَّةً } على القراءتين . أي : وصية كائنة لأزواجهم .

والمراد بقوله : { مَّتَاعاً } ما تتمتع به الزوجة من السكن والنفقة بعد وفاة زوجها بوصية منه . وهو منصوب على المصدر أي متعوهن متاعاً أوم على المفعولية . أي جعل الله لهن ذلك متاعاً .

وقال - سبحانه - : { مَّتَاعاً إِلَى الحول } للتنصيص على أن هذه المدة تمتد حولا كاملا منذ وفاة زوجها ، إذ كلمة حول تدل على التحول أي حتى تعود الأيام التي حدثت فيها الوفاة . وقوله : " غير إخراج " حال من أزواجهم أي غير مخرجات من مسكن الزوجية ، فلا يصح لورثة الميت أن يخرجوهن من مسكن الزوجية بغير رضاهن ، لأن بقاءهن في مسكن الزوجية حق شرعه الله لهن ، فلا يجوز لأحد أن يسلبه منهن بغير رضاهن .

ثم قال - تعالى - : { فَإِنْ خَرَجْنَ } من منزل الزوجية برضاهن ورغبتهن { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } أي فلا إثم عليكم أيها المسلمون { فِي مَا فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ } أي فيما فعلن في أنفسهن من أمور لا ينكرها الشرع كالتزين والتطيب والتزوج بعد انتهاء عدتها وهي أربعة أشهر وعشرة أيام .

هذا ، وللعلماء في تفسير هذه الآية اتجاهان مشهوران :

أما الاتجاه الأول : فيرى أصحابه أن هذه الآية منسوخة لأنها توجب على الزوج حين مشارفة الموت أن يوصي لزوجته بالنفقة والسكني حولا ، ويجب عليها الاعتداد حولان ، وهي مخيرة بين السكنى في بيته حولا ولها النفقة ، وبين أن تخجر منه ولا نفقة لها ، ولم يكن لها ميراث من زوجها قالوا : وكان هذا الحكم في ابتداء الإِسلام . وقد نسخ وجوب الوصية بالنفقة والسكنى بآية المواريث وبحديث " ألا لا وصية لوارث " حيث جعل لها الربع أو الثمن عوضاً عن النفقة والسكنى ونسخ وجوب العدة حولا بقوله - تعالى - قبل ذلك : { والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } الآية .

قالوا : ومما يشهد لذلك ما أخرجه أبو داود والنسائي عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية : نسخت بآية الميراث بما فرض الله لن من الربع والثمن " ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشراً " .

وقد حكى هذا الرأي صاحب الكشاف فقال : والمعنى : أن حق الذين يتوفون عن أزواجهم أن يوصلوا قبل أن يحتضروا بأن تمتع أزواجهم بعدهم حولا كاملا ، أي : ينفق عليهن من تركته ولا يخرجهن من مساكنهن . وكان ذلك في أول الإِسلام ثم نسخت المدة بقوله : { أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } وقيل نسخ ما زاد منه على هذا المقدار . ونسخت النفقة بالإِرث الذي هو الربع والثمن .

واختلف في السكني فعند أبي حنيفة لا سكنى . ثم قال : فإن قلت كيف نسخت الآية المتقدمة والمتأخرة ؟ قلت : قد تكون الآية متقدمة في التلاوة وهي متأخرة في التنزيل . كقوله - تعالى - : { سَيَقُولُ السفهآء } مع قوله : { قَدْ نرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السمآء } وعلى هذا الاتجاه سار جمهور المفسرين .

أما الاتجاه الثاني : فيرى أصحابه أن هذه الآية محكمة وليست منسوخة وممن ذهب إلى هذا الاتجاه مجاهد ، فقد قال ما ملخصه : دلت الآية الأولى وهي { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } على أن هذه عدتها المفروضة تعتدها عند أهل زوجها . ودلت هذه الآية بزيادة سبعة أشهر وعشرين ليلة على العدة السابقة تمام الحول ، وأن ذلك من باب الوصية للزوجات أن يمكن من السكنى في بيوت أزواجهن بعد وفاتهم حولا كاملا ولا يمنعن من ذلك لقوله : { غَيْرَ إِخْرَاجٍ } فإذا انقضت عدتهن بالأربعة أشهر والعشر - أو بوضع الحمل - واخترن الخروج والانتقال من ذلك المنزل فإنهن لا يمنعن من ذلك لقوله : { فَإِنْ خَرَجْنَ } .

ومن المفسرين الذين أيدوا هذا الاتجاه الإِمام ابن كثير فقد قال - بعد أن ساق قول مجاهد - وهذا القول له اتجاه وفي اللفظ مساعدة له وقد اختاره جماعة منهم الإِمام أبو العباس بن تيمية .

كما أيده أيضاً الإِمام الفخر في تفسيره ، فقد قال بعد أن ساق بعض الأدلة التي تثبت ضعف قول من قال بالنسخ : " فكان المصير إلى قول مجاهد ألوى من التزام النسخ من غير دليل " .

والخلاصة أن أصحاب هذا الاتجاه الثاني لا يرون معارضة بين هذه الآية وبين آية { والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } لأن الآية التي معنا لا تتحدث عن عدة المتوفي عنها زوجها وإنما تتحدث عن حقها في البقاء في منزل الزوجية بعد وفاة زوجها ، وأن هذا الحق ثابت لها فإن شاءت بقيت فيه ، وإن شاءت خرجت منه على حسب ما نراه مصلحة لها ، ولأنها لا يوجد من ألفاظها أو معانيها ما يلزم المرأة بالتربص والامتناع عن الأزواج مدة معينة .

أما الآية الثانية فنراها واضحة في الأمر بالتربص أربعة أشهر وعشراً ، وهي العدة التي يجب أن تمتنع فيها المرأة التي مات عنها زوجها عن التزين والتعرض للزواج . إذن فلا تعارض بين الآيتين ومتى انتفى التعارض انتفى النسخ .

ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { والله عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي : عزيز في انتقامه ممن تعدى حدوده ، إذ هو القاهر فوق عباده ، حكيم فيما شرع لهم من آداب وأحكام فينبغي أن يمتثل الناس أوامره ويجتنبوا ما نهاهم عنه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖۚ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (240)

221

وتؤدي هذه اللمسة دورها في مجال الحديث عن أحكام الزواج والطلاق ؛ وفي تقرير التصور الإسلامي لقاعدة الإسلام الكبرى . وهي العبادة ممثلة في كل طاعة . ثم يعود السياق إلى ختام الأحكام :

والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا : وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج . فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم . وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين . . كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون . .

والآية الأولى تقرر حق المتوفى عنها زوجها في وصية منه تسمح لها بالبقاء في بيته والعيش من ماله ، مدة حول كامل ، لا تخرج ولا تتزوج إن رأت من مشاعرها أو من الملابسات المحيطة بها ما يدعوها إلى البقاء . . وذلك مع حريتها في أن تخرج بعد أربعة أشهر وعشر ليال كالذي قررته آية سابقة . فالعدة فريضة عليها . والبقاء حولا حق لها . . وبعضهم يرى أن هذه الآية منسوخة بتلك . ولا ضرورة لافتراض النسخ ، لاختلاف الجهة كما رأينا . فهذه تقرر حقا لها إن شاءت استعملته . وتلك تقرر حقا عليها لا مفر منه :

( فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف ) . .

وكلمة ( عليكم ) توحي بمعنى الجماعة المتضامنة المسؤولة عن كل ما يقع فيها . فالجماعة هي التي يناط بها أمر هذه العقيدة وأمر هذه الشريعة وأمر كل فرد وكل فعل في محيطها . وهي التي يكون عليها جناح فيما يفعل أفرادها أو لا يكون . . ولهذا الإيحاء قيمته في إدراك حقيقة الجماعة المسلمة وتبعاتها ، وفي ضرورة قيام هذه الجماعة لتقوم على شريعة الله وتحرسها من خروج أي فرد عليها . فهي المسؤولة في النهاية عن الأفراد في الصغيرة والكبيرة . والخطاب يوجه إليها بهذه الصفة لتقرير هذه الحقيقة في حسها وفي حس كل فرد فيها . . والتعقيب :

( والله عزيز حكيم ) . .

للفت القلوب إلى قوة الله . وحكمته فيما يفرض وما يوجه . وفيه معنى التهديد والتحذير . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖۚ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (240)

القول في تأويل قوله ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : " والذين يتوفون منكم " ، أيها الرجال ويذرون أزواجا يعني زوجات كن له نساء في حياته ، بنكاح لا ملك يمين . ثم صرف الخبر عن ذكر من ابتدأ الخبر بذكره ، نظير الذي مضى من ذلك في قوله : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) إلى الخبر عن ذكر أزواجهم . وقد ذكرنا وجه ذلك ، ودللنا على صحة القول فيه في نظيره الذي قد تقدم قبله ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .

ثم قال تعالى ذكره : " وصية لأزواجهم " ، فاختلفت القرأة في قراءة ذلك : فقرأ بعضهم : " وصية لأزواجهم " ، بنصب " الوصية " ، بمعنى : فليوصوا وصية لأزواجهم ، أو : عليهم [ أن يوصوا ] وصية لأزواجهم .

و قرأ آخرون : ( وَصِيِّةٌ لأزْوَاجِهِمْ ) برفع " الوصية " . ثم اختلف أهل العربية في وجه رفع " الوصية " . فقال بعضهم : رفعت بمعنى : كتبت عليهم الوصية . واعتل في ذلك بأنها كذلك في قراءة عبد الله . فتأويل الكلام على ما قاله هذا القائل : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ، كتبت عليهم وصية لأزواجهم- ثم ترك ذكر " كتبت " ، ورفعت " الوصية " بذلك المعنى ، وإن كان متروكا ذكره .

وقال آخرون منهم : بل " الوصية " مرفوعة بقوله : " لأزواجهم " فتأول : لأزواجهم وصية .

والقول الأول أولى بالصواب في ذلك ، وهو أن تكون " الوصية " إذا رفعت مرفوعة بمعنى : كتبت عليكم وصية لأزواجكم . لأن العرب تضمر النكرات مرافعها قبلها إذا أضمرت ، فإذا أظهرت بدأت به قبلها ، فتقول : " جاءني رجل اليوم " ، وإذا قالوا : " رجل جاءني اليوم " لم يكادوا أن يقولونه إلا والرجل حاضر يشيرون إليه ب " هذا " ، أو غائب قد علم المخبر عنه خبره ، أو بحذف " هذا " وإضماره وإن حذفوه ، لمعرفة السامع بمعنى المتكلم ، كما قال الله تعالى ذكره : ( سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا ) و ( بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) ، فكذلك ذلك في قوله : " وصية لأزواجهم " .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا قراءة من قرأه رفعا ، لدلالة ظاهر القرآن على أن مقام المتوفى عنها زوجها في بيت زوجها المتوفى حولا كاملا كان حقا لها قبل نزول قوله : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) ، وقبل نزول آية الميراث ، ولتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي دل عليه الظاهر من ذلك ، أوصى لهن أزواجهن بذلك قبل وفاتهن ، أو لم يوصوا لهن به .

فإن قال قائل : وما الدلالة على ذلك ؟ قيل : لما قال الله تعالى ذكره : " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم " ، وكان الموصي لا شك ، إنما يوصي في حياته بما يأمر بإنفاذه بعد وفاته ، وكان محالا أن يوصي بعد وفاته ، كان تعالى ذكره إنما جعل لامرأة الميت سكن الحول بعد وفاته ، علمنا أنه حق لها وجب في ماله بغير وصية منه لها ، إذ كان الميت مستحيلا أن يكون منه وصية بعد وفاته .

ولو كان معنى الكلام على ما تأوله من قال : " فليوص وصية " ، لكان التنزيل : والذين تحضرهم الوفاة ويذرون أزواجا ، وصية لأزواجهم ، كما قال : كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة . ُ

وبعدُ ، فلو كان ذلك واجبًا لهن بوصية من أزواجهن المتوفّين ، لم يكن ذلك حقًّا لهن إذا لم يوص أزواجهن لهن قبل وفاتهم ، ولكان قد كان لورثتهم إخراجهن قبل الحول ، وقد قال الله تعالى ذكره : " غير إخراج " . ولكن الأمر في ذلك بخلاف ما ظنه في تأويله قارئُه : " وصيةً لأزواجهم " ، بمعنى : أن الله تعالى كان أمر أزواجهن بالوصية لهنّ . وإنما تأويل ذلك : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا ، كتب الله لأزواجهم عليكم وصية منه لهن أيها المؤمنون- أن لا تخرجوهن من منازل أزواجهن حولا كما قال تعالى ذكره في " سورة النساء ( غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ ) ، ثم ترك ذكر : " كتب الله " ، اكتفاء بدلالة الكلام عليه ، ورفعت " الوصية " بالمعنى الذي قلنا قبل .

فإن قال قائل : فهل يجوز نصب " الوصية " [ على الحال ، بمعتى موصين ] لهن وصية ؟

قيل : لا لأن ذلك إنما كان يكون جائزا لو تقدم " الوصية " من الكلام ما يصلح أن تكون الوصية خارجة منه ، فأما ولم يتقدمه ما يحسن أن تكون منصوبة بخروجها منه ، فغير جائز نصبها بذلك المعنى .

ذكر بعض من قال : إن سكنى حول كامل كان حقا لأزواج المتوفين بعد موتهم على ما قلنا أوصى بذلك أزواجهن لهن أو لم يوصوا لهن به ، وأن ذلك نسخ بما ذكرنا من الأربعة الأشهر والعشر والميراث .

5572- حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج بن منهال قال ، حدثنا همام بن يحيى قال : سألت قتادة عن قوله : " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج " ، فقال : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها كان لها السكنى والنفقة حولا في مال زوجها ، ما لم تخرج . ثم نسخ ذلك بعد في " سورة النساء " ، فجعل لها فريضة معلومة : الثمن إن كان له ولد ، والربع إن لم يكن له ولد ، وعدتها أربعة أشهر وعشرا ، فقال تعالى ذكره : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر الحول .

5573- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج " الآية ، قال : كان هذا من قبل أن تنزل آية الميراث ، فكانت المرأة إذا توفي عنها زوجها كان لها السكنى والنفقة حولا إن شاءت ، فنسخ ذلك في " سورة النساء " ، فجعل لها فريضة معلومة : جعل لها الثمن إن كان له ولد ، وإن لم يكن له ولد فلها الربع ، وجعل عدتها أربعة أشهر وعشر ، فقال : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا .

5574- حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج " ، فكان الرجل إذا مات وترك امرأته ، اعتدت سنة في بيته ، ينفق عليها من ماله ، ثم أنزل الله تعالى ذكره بعد : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، فهذه عدة المتوفى عنها زوجها . إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها . وقال في ميراثها : وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ ، فبين الله ميراث المرأة ، وترك الوصية والنفقة .

5575- حدثنا عن الحسين بن الفرج قال سمعت أبا معاذ قال ، سمعت عبيد الله بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : " وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج " ، كان الرجل إذا توفي أنفق على امرأته في عامه إلى الحول ، ولا تزوج حتى تستكمل الحول . وهذا منسوخ : نسخ النفقة عليها الربع والثمن من الميراث ، ونسخ الحول أربعة أشهر وعشر .

5576- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصيه لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج " ، قال : الرجل إذا توفي أنفق على امرأته إلى الحول ، ولا تزوج حتى يمضي الحول ، فأنزل الله تعالى ذكره : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، فنسخ الأجل الحول ، ونسخ النفقة الميراث الربع والثمن .

5577- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : سألت عطاء عن قوله : " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج " ، قال : كان ميراث المرأة من زوجها من ربعه : أن تسكن إن شاءت من يوم يموت زوجها إلى الحول ، يقول : فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ الآية ، ثم نسخها ما فرض الله من الميراث قال ، وقال مجاهد : " وصية لأزواجهم " سكنى الحول ، ثم نسخ هذه الآية الميراث .

5578- حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : كان لأزواج الموتى حين كانت الوصية ، نفقة سنة . فنسخ الله ذلك الذي كتب للزوجة من نفقة السنة بالميراث ، فجعل لها الربع أو الثمن وفي قوله : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، قال : هذه الناسخة .

ذكر من قال : كان ذلك يكون لهن بوصية من أزواجهن لهن به :

5579- حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا " الآية ، قال : كانت هذه من قبل الفرائض ، فكان الرجل يوصي لامرأته ولمن شاء . ثم نسخ ذلك بعد ، فألحق الله تعالى بأهل المواريث ميراثهم ، وجعل للمرأة إن كان له ولد الثمن ، وإن لم يكن له ولد فلها الربع . وكان ينفق على المرأة حولا من مال زوجها ، ثم تحول من بيته . فنسخته العدة أربعة أشهر وعشرا ، ونسخ الربع أو الثمن الوصية لهن ، فصارت الوصية لذوي القرابة الذين لا يرثون .

5580- حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم " ، إلى فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ ، يوم نزلت هذه الآية ، كان الرجل إذا مات أوصى لامرأته بنفقتها وسكناها سنة ، وكانت عدتها

أربعة أشهر وعشرا ، فإن هي خرجت حين تنقضي أربعة أشهر وعشرا ، انقطعت عنها النفقة ، فذلك قوله : فَإِنْ خَرَجْنَ ، وهذا قبل أن تنزل آية الفرائض ، فنسخه الربع والثمن ، فأخذت نصيبها ، ولم يكن لها سكنى ولا نفقة .

5581- حدثني أحمد بن المقدام قال ، حدثنا المعتمر قال ، سمعت أبي قال ، يزعم قتادة أنه كان يوصى للمرأة بنفقتها إلى رأس الحول .

ذكر من قال : " نسخ ذلك ما كان لهن من المتاع إلى الحول ، من غير تبيينه على أي وجه كان ذلك لهن " :

5582- حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن إبراهيم في قوله : الذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصيه لأزواجهم متاعا إلى الحول ، قال : هي منسوخة .

5583- حدثنا الحسن بن الزبرقان قال ، حدثنا أسامة ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت قال : سمعت إبراهيم يقول ، فذكر نحوه .

5584- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح ، عن حصين ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة والحسن البصري قالا " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج " ، نسخ ذلك بآية الميراث وما فرض لهن فيها من الربع والثمن ، ونسخ أجل الحول أن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا .

5585- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية ، عن يونس ، عن ابن سيرين ، عن ابن عباس : أنه قام يخطب الناس ها هنا ، فقرأ لهم سورة البقرة ، فبين لهم فيها ، فأتى على هذه الآية : إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ، قال : فنسخت هذه . ثم قرأ حتى أتى على هذه الآية : " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا " إلى قوله : ( غَيْرَ إِخْرَاجٍ ) ، فقال : وهذه .

وقال آخرون : هذه الآية ثابتة الحكم ، لم ينسخ منها شيء . ذكر من قال ذلك :

5586- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، قال : كانت هذه للمعتدة ، تعتد عند أهل زوجها ، واجبا ذلك عليها ، فأنزل الله : " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج " ، إلى قوله : مِنْ مَعْرُوفٍ . قال : جعل الله لهم تمام السنة ، سبعة أشهر وعشرين ليلة ، وصية : إن شاءت سكنت في وصيتها ، وإن شاءت خرجت ، وهو قول الله تعالى ذكره : ( غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) ، قال : والعدة كما هي واجبة .

5587- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

5588- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى وحدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن ابن عباس أنه قال : نسخت هذه الآية عدتها عند أهله ، تعتد حيث شاءت ، وهو قول الله : ( غَيْرَ إِخْرَاجٍ ) . قال عطاء : إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها ، وإن شاءت خرجت ، لقول الله تعالى ذكره : فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ قال عطاء : جاء الميراث بنسخ السكنى ، تعتد حيث شاءت ولا سكنى لها .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره كان جعل لأزواج من مات من الرجال بعد موتهم ، سكنى حول في منزله ، ونفقتها في مال زوجها الميت إلى انقضاء السنة ، ووجب على ورثة الميت أن لا يخرجوهن قبل تمام الحول من المسكن الذي يسكنه ، وإن هن تركن حقهن من ذلك وخرجن ، لم تكن ورثة الميت من خروجهن في حرج . ثم إن الله تعالى ذكره نسخ النفقة بآية الميراث ، وأبطل مما كان جعل لهن من سكنى حول سبعة أشهر وعشرين ليلة ، وردهن إلى أربعة أشهر وعشر ، على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم .

5589- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال ، حدثنا حجاج قال ، أخبرنا حيوة بن شريح ، عن ابن عجلان ، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، وأخبره عن عمته زينب ابنة كعب بن عجرة ، عن فريعة أخت أبي سعيد الخدري : أن زوجها خرج في طلب عبد له ، فلحقه بمكان قريب فقاتله ، وأعانه عليه أعبد معه فقتلوه ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن زوجها خرج في طلب عبد له ، فلقيه علوج فقتلوه ، وإني في مكان ليس فيه أحد غيري ، وإن أجمع لأمري أن أنتقل إلى أهلي ! فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل امكثي مكانك حتى يبلغ الكتاب أجله .

وأما قوله : " متاعا " ، فإن معناه : جعل ذلك لهن متاعا ، أي الوصية التي كتبها الله لهن .

وإنما نصب " المتاع " ، لأن في قوله : " وصية لأزواجهم " ، معنى متعهن الله ، فقيل : " متاعا " ، مصدرا من معناه لا من لفظه .

وقوله : ( غَيْرَ إِخْرَاجٍ ) ، فإن معناه أن الله تعالى ذكره جعل ما جعل لهن من الوصية متاعا منه لهن إلى الحول ، لا إخراجا من مسكن زوجها يعني : لا إخراج فيه منه حتى ينقضي الحول . فنصب " غير " على النعت ل " لمتاع " ، كقول القائل : " هذا قيام غير قعود " ، بمعنى : هذا قيام لا قعود معه ، أو : لا قعود فيه .

وقد زعم بعضهم أنه منصوب بمعنى : لا تخرجوهن إخراجا ، وذلك خطأ من القول . لأن ذلك إذا نصب على هذا التأويل ، كان نصبه من كلام آخر غير الأول ، وإنما هو منصوب بما نصب " المتاع " على النعت له .

القول في تأويل قوله : فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : أن المتاع الذي جعله الله لهن إلى الحول في مال أزواجهن بعد وفاتهم وفي مساكنهم ، ونهى ورثته عن إخراجهن ، إنما هو لهن ما أقمن في مساكن أزواجهن ، وأن حقوقهن من ذلك تبطل بخروجهن إن خرجن من منازل أزواجهن قبل الحول من قبل أنفسهن ، بغير إخراج من ورثة الميت .

ثم أخبر تعالى ذكره أنه لا حرج على أولياء الميت في خروجهن وتركهن الحداد على أزواجهن . لأن المقام حولا في بيوت أزواجهن والحداد عليه تمام حول كامل ، لم يكن فرضا عليهن ، وإنما كان ذلك إباحة من الله تعالى ذكره لهن إن أقمن تمام الحول محدات . فأما إن خرجن فلا جناح على أولياء الميت ولا عليهن فيما فعلن في أنفسهن من معروف ، وذلك ترك الحداد . يقول : فلا حرج عليكم في التزين إن تزينّ وتطيبن وتزوجن ، لأن ذلك لهن .

وإنما قلنا : " لا حرج عليهنّ في خروجهن " ، وإن كان إنما قال تعالى ذكره : " فلا جناح عليكم " ، لأن ذلك لو كان عليهن فيه جناح ، لكان على أولياء الرجل فيه جناح بتركهم إياهن والخروج ، مع قدرتهم على منعهنّ من ذلك . ولكن لما لم يكن عليهن جناح في خروجهن وترك الحداد ، وضع عن أولياء الميت وغيرهم الحرج فيما فعلن من معروف ، وذلك في أنفسهن .

وقد مضت الرواية عن أهل التأويل بما قلناه في ذلك قبل .

وأما قوله : ( وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ، فإنه يعني تعالى ذكره : " والله عزيز " ، في انتقامه ممن خالف أمره ونهيه وتعدى حدوده من الرجال والنساء ، فمنع من كان من الرجال نساءهم وأزواجهم ما فرض لهن عليهم في الآيات التي مضت قبل : من المتعة والصداق والوصية ، وإخراجهن قبل انقضاء الحول ، وترك المحافظة على الصلوات وأوقاتها ، ومنع من كان من النساء ما ألزمهن الله من التربص عند وفاة أزواجهن عن الأزواج ، وخالف أمره في المحافظة على أوقات الصلوات " حكيم " ، فيما قضى بين عباده من قضاياه التي قد تقدمت في الآيات قبل قوله : ( وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ، وفي غير ذلك من أحكامه وأقضيته .