معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا فُتِحَتۡ يَأۡجُوجُ وَمَأۡجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٖ يَنسِلُونَ} (96)

قوله تعالى : { حتى إذا فتحت } قرأ ابن عامر و أبو جعفر و يعقوب : { فتحت } بالتشديد على التكثير ، وقرأ الآخرون بالتخفيف ، { يأجوج ومأجوج } يريد فتح السد عن يأجوج ومأجوج { وهم من كل حدب } أي نشز وتل ، والحدب المكان المرتفع { ينسلون } يسرعون النزول من الآكام والتلال كنسلان الذئب ، وهو سرعة مشيه ، واختلفوا في هذه الكناية ، فقال قوم : عنى بهم يأجوج ومأجوج بدليل ما روينا عن النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون " . وقال قوم : أراد جميع الخلق يعني أنهم يخرجون من قبورهم ، ويدل عليه قراءة مجاهد وهم من كل جدث بالجيم والثاء كما قال : { فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني ، أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ، أنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أنا مسلم ابن حجاج ، أنا أبو خيثمة زهير بن حرب ، أنا سفيان بن عيينة ، عن فرات القزاز ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة بن أسيد الغفاري ، قال : " اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر الساعة ، فقال : ما تذكرون ؟ قالوا : نذكر الساعة ، قال : إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات ، فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف : خسف بالمغرب وخسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا فُتِحَتۡ يَأۡجُوجُ وَمَأۡجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٖ يَنسِلُونَ} (96)

{ 96 - 97 } { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ }

هذا تحذير من الله للناس ، أن يقيموا على الكفر والمعاصي ، وأنه قد قرب انفتاح يأجوج ومأجوج ، وهما قبيلتان عظيمتان من بني آدم ، وقد سد عليهم ذو القرنين ، لما شكي إليه إفسادهم في الأرض ، وفي آخر الزمان ، ينفتح السد عنهم ، فيخرجون إلى الناس في هذه الحالة والوصف ، الذي ذكره الله من كل من مكان مرتفع ، وهو الحدب ينسلون أي : يسرعون . وفي هذا دلالة على كثرتهم الباهرة ، وإسراعهم في الأرض ، إما بذواتهم ، وإما بما خلق الله لهم من الأسباب التي تقرب لهم البعيد ، وتسهل عليهم الصعب ، وأنهم يقهرون الناس ، ويعلون عليهم في الدنيا ، وأنه لا يد لأحد بقتالهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا فُتِحَتۡ يَأۡجُوجُ وَمَأۡجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٖ يَنسِلُونَ} (96)

ويأجوج ومأجوج اسمان أعجميان لقبيلتين من الناس ، قيل : مأخوذان من الأوجة وهى الاختلاط أو شدة الحر ، وقيل من الأوج وهو سرعى الجرى .

والمراد بفتحهما : فتح السد الذى على هاتين القبيلتين ، والذى يحول بينهم وبين الاختلاط بغيرهم من بقية الناس .

{ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } والحدب : المترفع من الأرض كالجبل ونحوه .

و { يَنسِلُونَ } من النسل - بإسكان السين - وهو مقاربة الخطو مع الإسراع فى السير ، يقال : نسل الرجل فى مشيته إذا أسرع ، وفعله من باب قعد وضرب .

أى : وهم - أى يأجوج ومأجوج من كل مرتفع من الأرض يسرعون السير إلى المحشر ، أو إلى الأماكن التى يوجههم الله - تعالى - إليها ، و قيل إن الضمير " هم " يعود إلى الناس المسوقين إلى أرض المحشر ، أو إلى الأماكن التى يوجههم الله - تعالى - إليها ، وقيل إن الضمير " هم " يعود إلى الناس المسوقين إلى أرض المحشر .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا فُتِحَتۡ يَأۡجُوجُ وَمَأۡجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٖ يَنسِلُونَ} (96)

القول في تأويل قوله تعالى : { حَتّىَ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مّن كُلّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : حتى إذا فُتح عن يأجوج ومأجوج ، وهما أمّتان من الأمم ردمهما كما :

حدثني عصام بن داود بن الجراح ، قال : ثني أبي ، قال : حدثنا سفيان بن سعيد الثوريّ ، قال : حدثنا منصور بن المعتمر ، عن رِبْعِيّ بن حِرَاش ، قال : سمعت حُذيفة بن اليمان يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أوّلُ الاَياتِ : الدّجّالُ ، وَنُزُلُ عِيسَى ، وَنارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنِ أبْيَنَ ، تَسُوق النّاسَ إلى المَحْشَرِ ، تَقِيلُ مَعَهُمْ إذَا قالُوا . والدّخانُ ، والدّابّةُ ، ثُمّ يَأْجُوجُ ومَأْجَوجُ » قال حُذيفة : قلت : يا رسول الله ، وما يأجوج ومأجوج ؟ قال : «يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ أُمَمٌ ، كُلّ أُمّةٍ أرْبَعُ مِئَةِ ألْفٍ ، لا يَمُوتُ الرّجُلُ مِنْهُمْ حتى يَرَى ألْفَ عَيْنٍ تَطْرِفُ بينَ يَدَيْهِ مِنْ صُلْبِهِ ، وَهُمْ وَلَدُ آدَمَ ، فَيَسِيرُونَ إلى خَرَابِ الدّنيْا ، يَكُونُ مُقَدّمَتُهُمْ بالشّامِ وَساقَتُهُمْ بالعِرَاقِ ، فَيَمُرّونَ بأنهَارِ الدّنيا ، فَيَشْرَبُونَ الفُرَاتَ والدّجْلَةَ وبُحَيْرَةَ الطّبَرِيّةِ حتى يَأْتُوا بَيْتَ المَقْدِسِ ، فَيَقُولُونَ قَدْ قَتَلْنا أهْلَ الدّنيْا فَقاتِلُوا مَنْ فِي السّماءِ ، فَيْرمَونَ بالنّشّابِ إلى السّماءِ ، فَترْجِعُ نُشابُهُمْ مُخَضّبَةً بالدّمِ ، فَيَقُولُونَ قَدْ قَتَلْنا مَنْ فِي السّماءِ ، وَعِيسَى والمُسْلِمُونَ بِجَبَلِ طُورِ سِينِينَ ، فَيُوحِي اللّهُ جَلّ جَلالُهُ إلى عِيسَى : أنْ أحْرِزْ عِبادِي بالطّورِ وَما يَلي أيْلَةَ ثُمّ إنّ عِيسَ يَرْفَعُ رأسَهُ إلى السّماءِ ، وَيُؤَمّنُ المُسْلِمونَ فَيَبْعَثُ اللّهُ عَلَيْهِمْ دَابّةً يُقالُ لَهَا النّغَفُ ، تَدْخُلُ مِنْ مَناخِرِهِمْ فَيُصْبِحَونَ مَوْتَى مِنْ حاقِ الشّامِ إلى حاقِ العِرَاقِ ، حتى تَنْتَنَ الأرْضُ مِنْ جِيفِهِمْ ويَأْمُرُ اللّهُ السّماءَ فتُمْطِرُ كأفْوَاهِ القِرَبِ ، فَتَغْسِلُ الأرْض مِنْ جِيَفِهِمْ وَنَتْنِهِمْ ، فَعِنْدَ ذلكَ طُلُوعُ الشّمْسِ مِنْ مَغْرِبها » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : إن يأجوج ومأجوج يزيدون على سائر الإنس الضّعف ، وإن الجنّ يزيدون على الإنس الضعف ، وإن يأجوج ومأجوج رجلان اسمهما يأجوج ومأجوج .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت وهب بن جابر يحدث ، عن عبد الله بن عمرو أنه قال : إن يأجوج ومأجوج يمرّ أولهم بنهر مثل دجلة ، ويمرّ آخرهم فيقول : قد كان في هذا مرّة ماء . لا يموت رجل منهم إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا . وقال : مِن بعدهم ثلاثُ أمم لا يعلم عددهم إلا الله : تاويل ، وتاريس ، وناسك أو منسك شكّ شعبة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن وهب بن جابر الخيواني ، قال : سألت عبد الله بن عمرو ، عن يأجوج ومأجوج ، أمن بني آدم هم ؟ قال : نعم ، ومن بعدهم ثلاث أمم لا يعلم عددهم إلا الله : تاريس ، وتاويل ، ومنسك .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا سهل بن حماد أبو عتاب ، قال : حدثنا شعبة ، عن النعمان بن سالم ، قال : سمعت نافع بن جبير بن مطعم يقول : قال عبد الله بن عمرو : يأجوج ومأجوج لهم أنهار يَلْقَمون ما شاءوا ، ونساء يجامعون ما شاءوا ، وشجر يلقمون ما شاءوا ، ولا يموت رجل إلا ترك من ذرّيته ألفا فصاعدا .

حدثنا محمد بن عمارة ، قال : حدثنا عبد الله بن موسى ، قال : أخبرنا زكريا ، عن عامر ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله بن سلام ، قال : ما مات أحد من يأجوج ومأجوج إلا ترك ألف ذرء فصاعدا .

حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الأعمش ، عن عطية ، قال : قال أبو سعيد : يخرج يأجوج ومأجوج فلا يتركون أحد إلا قتلوه ، إلا أهل الحصون ، فيمرّون على البحيرة فيشربونها ، فيمرّ المارّ فيقول : كأنه كان ههنا ماء ، قال : فيبعث الله عليهم النغف حتى يكسر أعناقهم فيصيروا خبالاً ، فتقول أهل الحصون : لقد هلك أعداء الله ، فيدلّون رجلاً لينظر ، ويشترط عليهم إن وجدهم أحياء أن يرفعوه ، فيجدهم قد هلكوا ، قال : فينزل الله ماء من السماء فيقذفهم في البحر ، فتطهر الأرض منهم ، ويغرس الناس بعدهم الشجر والنخل ، وتخرج الأرض ثمرتها كما كانت تخرج في زمن يأجوج ومأجوج .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، قال : رأى ابن عباس صبيانا ينزو بعضهم على بعض يلعبون ، فقال ابن عباس : هكذا يخرج يأجوج ومأجوج .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم ، قال : حدثنا عمرو بن قيس ، قال : بلغنا أن ملكا دون الردم يبعث خيلاً كل يوم يحرسون الردم لا يأمن يأجوج ومأجوج أن تخرج عليهم ، قال : فيسمعون جلبة وأمرا شديدا .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن أبي إسحاق ، أن عبد الله بن عمرو ، قال : ما يموت الرجل من يأجوج ومأجوج حتى يولد له من صلبه ألف ، وإن من ورائهم لثلاث أمم ما يعلم عددهم إلا الله : منسك ، وتاويل ، وتاريس .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة ، عن عمرو البِكالي ، قال : إن الله جزأ الملائكة والإنس والجنّ عشرة أجزاء فتسعة منهم الكروبيون وهم الملائكة الذي يحملون العرش ، ثم هم أيضا الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون . قال : ومن بقي من الملائكة لأمر الله ووحيه ورسالته . ثم جزّأ الإنس والجنّ عشرة أجزاء ، فتسعة منهم الجن ، لا يولد من الإنس ولد إلا ولد من الجن تسعة . ثم جزأ الإنس على عشرة أجزاء ، فتسعة منهم يأجوج ومأجوج ، وسائر الإنس جزء .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله : حتى إذَا فُتحتْ يَأْجُوج وَمأْجُوجُ قال : أُمّتانِ من وراء ردم ذي القرنين .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن غير واحد ، عن حميد بن هلال ، عن أبي الصيف ، قال : كعب : إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فئوسهم ، فإذا كان الليل قالوا : نجيء غدا فنخرج ، فيعيدها الله كما كانت ، فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله كما كان ، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فئوسهم ، فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم يقول : نجيء غدا فنخرج إن شاء الله . فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه ، فيحفرون ثم يخرجون . فتمرّ الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها ، ثم تمرّ الزمرة الثانية فيلحسون طينها ، ثم تمرّ الزمرة الثالثة فيقولون : قد كان ههنا مرّة ماء . وتفرّ الناس منهم ، فلا يقوم لهم شيء ، يرمون بسهامهم إلى السماء ، فترجع مخضبة بالدماء ، فيقولون : غلبْنا أهل الأرض وأهل السماء . فيدعو عليهم عيسى ابن مريم ، فيقول : اللهمّ لا طاقة ولا يدين لنا بهم ، فاكفناهم بما شئت فيسلط الله عليهم دودا يقال له النغف فتفرس رقابهم ، ويبعث الله عليهم طيرا فتأخذهم بمناقرها فتلقيهم في البحر ، ويبعث الله عينا يقال لها الحياة تطهر الأرض منهم وتنبتها ، حتى إن الرمانة ليشبع منها السكن . قيل : وما السكن يا كعب ؟ قال : أهل البيت . قال : فبينا الناس كذلك ، إذ أتاهم الصريخ أن ذا السويقتين يريده ، فيبعث عيسى طليعة سبع مئة ، أو بين السبع مئة والثمان مئة ، حتى إذا كانوا بعض الطريق بعث الله ريحا يمانية طيبة ، فيقبض الله فيها روح كلّ مؤمن ، ثم يبقى عَجَاجٌ من الناس يتسافدون كما تتسافد البهائم فمثَل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينتظرها متى تضع . فمن تكلف بعد قولي هذا شيئا أو على هذا شيئا فهو المتلكف .

حدثنا العباس بن الوليد البيروتي ، قال : أخبرني أبي ، قال : سمعت ابن جابر ، قال : ثني محمد بن جابر الطائي ثم الحمصي ، ثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي ، قال : ثني أبي أنه سمع النوّاس بن سمعان الكلابي يقول : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ، وذكر أمره ، وأن عيسى ابن مريم يقتله ، ثم قال : «فَبيْنَا هُوَ كَذَلِكَ ، أَوْحَى الله إليه : يا عِيسَى ، إني قد أخْرَجْتُ عِبَادا لي لا يَد لأحَدٍ بِقتَالِهِمْ ، فَحَرّزْ عِبَادِي إلى الطّورِ فيَبعثَ الله يأجُوجَ ومَأْجُوجَ ، وهم مِنْ كُلّ حَدْبٍ يَنْسِلُونَ ، فَيمُرّ أحَدُهُمْ على بحيرة طَبَريّةَ ، فيَشْرَبُونَ ما فيها ، ثم ينزل آخرهم ، ثم يقول : لقد كان بهذه ماء مَرّة . فيحاصر بنيّ الله عِيسَى وأصحابه ، حتى يكون رَأْسُ الثور يومئذ خَيْرا لأحدهم مِنْ مِئَةِ دينارٍ لأحدكم ، فيرغب نبيّ الله عيسى وأصحابُه إلى الله ، فيُرْسِل الله عليهم النّغَفَ في رِقَابِهِمْ ، فيُصْبِحُونَ فَرْسى مَوْت نَفْسٍ واحِدَةٍ ، فَيهْبِطُ نبيّ الله عيسى وأصْحَابُه ، فلا يَجِدُونَ مَوْضَعا إلا قد ملأه زُهْمُهُمْ ونتنهم ودماؤهم ، فيرغب نبيّ الله عيسى وأصحابه إلى الله ، فيُرْسِل عليهم طيرا كأعْنَاقِ البُخْتِ ، فتَحْمِلُهُم فَتطْرَحُهُمْ حَيْثُ شاء الله ، ثم يُرْسِلُ الله مطرا لا يَكُنّ منه بَيْتُ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزّلَفة .

وأما قوله : وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به ، فقال بعضهم : عُني بذلك بنو آدم أنهم يخرجون من كل موضع كانوا دفنوا فيه من الأرض ، وإنما عُني بذلك الحشرُ إلى موقف الناس يوم القيامة . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قال : جمع الناس من كلّ مكان جاءوا منه يوم القيامة ، فهو حَدَبٌ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيح : وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ، قال ابن جُرَيج : قال مجاهد : جمع الناس من كلّ حدب من مكان جاءوا منه يوم القيامة فهو حدب .

وقال آخرون : بل عني بذلك يأجوج ، ومأجوج وقوله : «وهم » وكناية أسمائهم ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، قال : حدثنا أبو الزعراء ، عن عبد الله أنه قال : يخرج يأجوج ومأجوج فيمرحون في الأرض ، فيُفسدون فيها . ثم قرأ عبد الله : وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قال : ثم يبعث الله عليهم دابّة مثل النغف ، فتَلِجُ في أسماعهم ومناخرهم فيموتون منها فتنتن الأرض منهم ، فيرسل الله عزّ وجلّ ماء فيطهر الأرض منهم .

والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين قالوا : عني بذلك يأجوج ومأجوج ، وأن قوله : وَهُمْ كناية عن أسمائهم ، للخبر الذي :

حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر ، عن قتادة الأنصاري ، ثم الظفري ، عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل ، عن أبي سعيد الخدريّ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «يُفْتَحُ يأْجُوجُ ومَأْجُوجَ يَخْرُجُونَ عَلى النّاسِ كمَا قالَ اللّهُ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيُغَشّونَ الأرضَ » .

حدثني أحمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم بن بشير ، قال : أخبرنا العوّام بن حوشب ، عن جبلة بن سحيم ، عن مؤثر ، وهو ابن عفازة العبدي ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يُذكر عن عيسى ابن مريم ، قال : «عيسى : عَهِدَ إليّ رَبّي أنّ الدّجّالَ خارِجٌ ، وأنّهُ مُهْبِطِي إلَيْهِ ، فذكر أنّ مَعَهُ قَضِيبَيْنِ ، فإذَا رآني أهْلَكَهُ اللّهُ . قالَ : فَيَذُوبُ كمَا يَذُوبُ الرّصَاصُ ، حتى إنّ الشّجَرَ والحَجَرَ ليَقُولُ : يا مُسْلِمُ هَذَا كافِرٌ فاقْتُلْهُ فَيُهْلِكُهُمْ اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالى ، وَيَرْجِعُ النّاسُ إلى بِلادِهِمْ وأوْطانِهِمْ . فَيَسْتَقْبِلُهُمْ يَأْجُوجُ وَمأْجُوجُ مِنْ كُلّ حَدْبٍ يَنْسِلُونَ ، لاَ يأْتُونَ عَلى شَيْءٍ إلاّ أهْلَكُوهُ ، وَلاَ يمُرّونَ على ماءٍ إلاّ شَرِبوهُ » .

حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : حدثنا المحاربي ، عن أصبغ بن زيد ، عن العوّام بن حوشب ، عن جبلة بن سحيم ، عن موثر بن عفازة ، عن عبد الله بن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه .

وأما قوله : مِنْ كُلّ حَدَبٍ فإنه يعني من كل شرف ونشَز وأكمة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ يقول : من كلّ شرف يُقْبِلون .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر عن قتادة : مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قال : من كلّ أكمة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قال : الحَدَبُ : الشيء المشرف . وقال الشاعر :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . *** عَلى الحِدَابِ تَمُورُ

1حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : حتى إذا فُتْحَتْ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قال : هذا مبتدأ يوم القيامة .

وأما قوله : يَنْسِلُونَ فإنه يعني : أنهم يخرجون مشاة مسرعين في مشيهم كنسلان الذئب ، كما قال الشاعر :

عَسَلانَ الذّئْبِ أمْسَى قاربا *** برد اللّيْلُ عَلَيْهِ فَنَسَلْ