الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{حَتَّىٰٓ إِذَا فُتِحَتۡ يَأۡجُوجُ وَمَأۡجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٖ يَنسِلُونَ} (96)

{ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ } قرأه العامة بالتخفيف ، وقرأ أبو جعفر وابن عامر ويعقوب بالتشديد على الكسرة .

{ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ } ومعنى الآية فرّج السد عن يأجوج ومأجوج ، وقد ذكرنا قصتهما بالشرح .

وروى منصور بن المعتمر عن ربعي بن خراش عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أوّل الآيات الدجّال ، ونزول عيسى ، ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا ، والدخان والدابّة ، ثم يأجوج ومأجوح .

قال حذيفة : قلت : يارسول الله ما يأجوج ومأجوج ؟

قال : أُمم ، كلّ أُمّة أربعمائة ألف أُمّة ، لا يموت الرجل منهم حتى يرى ألف عين تطرف بين يديه من صلبه ، وهم ولد آدم ( عليه السلام ) فيسيرون إلى خراب الدنيا ، ويكون مقدمتهم بالشام وساقهم بالعراق ، فيمرّون بأنهار الدنيا فيشربون الفرات ودجلة وبحر الطبرية حتى يأتوا بيت المقدس فيقولوا : قد قتلنا أهل الدنيا ، فقاتلوا من في السماء فيرمون بالنشّاب إلى السّماء ، فيرجع نشابهم مخضّبة بالدم فيقولون : قد قتلنا من في السّماء .

وعيسى والمسلمون بجبل طور سينين فيوحي الله سبحانه إلى عيسى أن احرز عبادي بالطور وما يلي ، ثمَّ إنّ عيسى يرفع يديه إلى السّماء ، ويؤمّن المسلمون ، فيبعث الله سبحانه عليهم دابّة يقال لها النغف تدخل في مناخرهم فيصبحون موتى من حاقّ الشام إلى حاق المشرق حتى تنتن الأرض من جيَفهم ويأمر الله سبحانه السماء فتمطر كأفواه القرب فتغسل الأرض من جيفهم ونتنهم ، فعند ذلك طلوع الشمس من مغربها . "

{ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ } أي نشز وتلّ { يَنسِلُونَ } يخرجون مشاة مسرعين كنسلان الذئب .

واختلف العلماء في هذه الكناية فقال قوم : عنى بهم يأجوج ومأجوج ، واستدَلّوا بحديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يفتح يأجوج ومأجوج فيخرجون على الناس كما قال الله سبحانه { مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } فيغشون الأرض .

وروى عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكر عن عيسى قال :

" قال عيسى : عهد إليَّ ربي أنّ الدجّال خارج وأنّه مهبطي إليه ، فذكر أنّ معه قصبتين فإذا رآني أهلكه الله ، قال : فيذوب كما يذوب الرصاص حتى أنَّ الشجر والحجر ليقول : يا مسلم هذا كافر فاقتله ، فيهلكهم الله عزّ وجلّ ويرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم ، فيستقبلهم يأجوج ومأجوج من كلّ حدب ينسلون ، لا يأتون على شيء إلاّ أهلكوه ولا يمرّون على ماء إلاّ شربوه " .

وقال آخرون : أراد جميع الخلق ، يعني أنّهم يخرجون من قبورهم ومواضعهم فيحشرون إلى موقف القيامة ، تدلّ عليه قراءة مجاهد : وهم من كلّ جدث بالجيم والثاء يعني القبر اعتباراً بقوله سبحانه

{ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } [ يس : 51 ] .