مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{حَتَّىٰٓ إِذَا فُتِحَتۡ يَأۡجُوجُ وَمَأۡجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٖ يَنسِلُونَ} (96)

أما قوله تعالى : { حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون * واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا } ففيه مسائل :

المسألة الأولى : أن ( حتى ) متعلقة بحرام فأما على تأويل أبي مسلم فالمعنى أن رجوعهم إلى الآخرة واجب حتى أن وجوبه يبلغ إلى حيث أنه إذا فتحت يأجوج ومأجوج ، واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ، والمعنى أنهم يكونون أول الناس حضورا في محفل القيامة ، فحتى متعلقة بحرام وهي غاية له ولكنه غاية من جنس الشيء كقولك دخل الحاج حتى المشاة . وحتى ههنا هي التي يحكى بعدها الكلام . والكلام المحكى هو هذه الجملة من الشرط والجزاء أعني قوله : { وإذا فتحت يأجوج ومأجوج * واقترب الوعد الحق } فهناك يتحقق شخوص أبصار الذين كفروا ، وذلك غير جائز لأن الشرط إنما يحصل في آخر أيام الدنيا والجزاء إنما يحصل في يوم القيامة ، والشرط والجزاء لا بد وأن يكونا متقاربين ، قلنا التفاوت القليل يجري مجرى المعدوم ، وأما على التأويلات الباقية فالمعنى أن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم الساعة .

المسألة الثانية : قوله : { حتى إذا فتحت } المعنى فتح سد يأجوج ومأجوج فحذف المضاف وأدخلت علامة التأنيث في فتحت لما حذف المضاف لأن يأجوج ومأجوج مؤنثان بمنزلة القبيلتين ، وقيل حتى إذا فتحت جهة يأجوج .

المسألة الثالثة : هما قبيلتان من جنس الإنس ، يقال : الناس عشرة أجزاء تسعة منها يأجوج ومأجوج يخرجون حين يفتح السد .

المسألة الرابعة : قيل : السد يفتحه الله تعالى ابتداء ، وقيل : بل إذا جعل الله تعالى الأرض دكا زالت الصلابة عن أجزاء الأرض فحينئذ ينفتح السد .

أما قوله تعالى : { وهم من كل حدب ينسلون } فحشو في أثناء الكلام ، والمعنى إذا فتحت يأجوج واقترب الوعد الحق شخصت أبصار الذين كفروا ، والحدب النشز من الأرض ، ومنه حدبة الأرض ، ومنه حدبة الظهر ، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما { من كل جدث ينسلون } ، اعتبارا بقوله :{ فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } وقرئ بضم السين ونسل وعسل أسرع ثم فيه قولان ، قال أكثر المفسرين إنه كناية عن يأجوج ومأجوج ، وقال مجاهد : هو كناية عن جميع المكلفين أي يخرجون من قبورهم من كل موضع فيحشرون إلى موقف الحساب ، والأول هو الأوجه وإلا لتفكك النظم ، وأن يأجوج ومأجوج إذا كثروا على ما روى في «الخبر » ، فلا بد من أن ينشروا فيظهر إقبالهم على الناس من كل موضع مرتفع .