النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{حَتَّىٰٓ إِذَا فُتِحَتۡ يَأۡجُوجُ وَمَأۡجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٖ يَنسِلُونَ} (96)

قوله عز وجل : { حَتَّى إِذَا فُتِحتْ يأجوج ومأجوج } أي فتح السد ، وهو من أشراط الساعة ، وروى أبو هريرة{[1994]} عن زينب بنت جحش قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نائماً في بيتي ، فاستيقظ محمرة عيناه ، فقال : " لاَ إِله إِلاَّ اللَّهَ ثَلاَثاً ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِن شَرٍ قَدِ اقْتَرَبَ ، فُتِحَ اليَومَ مِن رَدْمِ يأجوج ومأجوج مِثْلَ هذَا ، وأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عِقْدِ التِّسْعِينَ " .

ويأجوج ومأجوج قيل إنهما أخوان ، وهما ولد يافث بن نوح ، وفي اشتقاق اسميهما قولان :

أحدهما : أنه مشتق من أَجّت النار .

والثاني : من الماء الأُجاج . وقيل إنهم يزيدون على الإِنس الضعف .

{ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } وفي حدب الأرض ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه فجاجها وأطرافها ، قاله ابن عباس .

والثاني : حولها .

الثالث : تلاعها وآكامها ، مأخوذ من حدبة الظهر ، قال عنترة :

فما رعشت يداي ولا ازْدَهاني *** تواترهم إليَّ من الحِداب

وفي قوله : { يَنسِلُونَ } وجهان :

أحدها : معناه يخرجون ، ومنه قول امرئ القيس :

فسلي ثيابي من ثيابك تنسلِ{[1995]} ***

والثاني : معناه يسرعون ، ومنه قول الشاعر{[1996]} :

عسلان الذئب أمسى قارباً *** برد الليل عليه فنسل

وفي الذين هم من كل حدب ينسلون قولان :

أحدهما : هم يأجوج ومأجوج ، وهذا قول ابن مسعود .

الثاني : أنهم الناس يحشرون إلى الموقف ، وهذا قول مجاهد .


[1994]:سند هذا الحديث مطموس بالأصل وقد أخذناه من مختصر صحيح مسلم وفيه (وعقد سفيان بيده عشرة). وعقد التسعين أضيق من عقد العشرة كما قالوا، فلعل المراد التقريب بالتمثيل لا التحديد وتكملة الحديث "قلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثر الخبث"... رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأبو ماجه.
[1995]:صدر البيت: وإن تك قد ساءتك مني خليقة.
[1996]:البيت للنابغة الذبياني وقيل: هو للبيد كما في اللسان مادة عسل. يقال عسل عسلانا وعسلا إذا أعنق وأسرع. وقاربا: سائر ليلا.