الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{حَتَّىٰٓ إِذَا فُتِحَتۡ يَأۡجُوجُ وَمَأۡجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٖ يَنسِلُونَ} (96)

وقوله سبحانه : { حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } [ الأنبياء : 96 ] . تحتمل «حتى » في هذه الآية أنْ تتعلَّقَ ب{ يَرْجِعُونَ } ، وتحتمل أنْ تكون حرفَ ابتداء ، وهو الأظهر بسبب «إذا » لأنها تقتضي جواباً ، واختلف هنا في الجواب ، والذي أقول به : أَنَّ الجواب في قوله { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَة } [ الأنبياء : 97 ] وهذا هو المعنى الذي قُصِدَ ذكرُه .

قال ( ص ) : قال أبو البقاء : { حتى إِذَا } مُتَعَلِّقَةٌ في المعنى ب{ حرام } أي : يستمر الامتناع إلى هذا الوقت ، ولا عملَ لها في «إذا » . انتهى .

وقرأ الجمهور : «فُتِحَتْ » بتخفيف التاء ، وقرأ ابن عامر وحده «فُتِّحَتْ » بالتشديد .

ورُوِيَ أنَّ يأجوجَ ومأجوجَ يشرفون في كلِّ يوم على الفتح ، فيقولون : غداً نفتح ، ولا يردون المشيئة إلى الله تعالى ، فإذا كان غد وجدوا الرَّدم كأَوَّلِهِ حتى إذا أذن اللّه تعالى في فتحه ، قال قائلهم : غداً نفتحه إن شاء اللّه تعالى ، فيجدونه كما تركوه قريبَ الانفتاح فيفتحونه حينئذٍ .

( ت ) وقد تقدم في «سورة الكهف » كثير من أخبار يأجوج ومأجوج فأغنانا عن إعادته ، وهذه عادتنا في هذا المُخْتَصَرِ أسأل اللّه تعالى أن ينفعنا وإيَّاكم به ، ويجعلَه لنا نوراً بين أيدينا ، { يومَ لا ينفعُ مال ولا بنون إلاَّ مَنْ أتى اللّه بقلب سليم } [ الشعراء : 88 و89 ] والحَدَبُ : كل مُسَنَّمٍ من الأرض ، كالجبل والظَرِب والكدية ، والقبر ونحوه .

وقالت فرقة : المراد بقوله : { وَهُم } يأجوجُ ومأجوجُ ، يعني أنهم يطلعون من كل ثنية ومرتفع ويملأون الأرضَ من كثرتهم .

وقالت فرقة : المراد بقوله : «وهم » جميعُ العالم ، وإنَّما هو تعريف بالبعث من القبور .

وقرأ ابن مسعود : «وَهُمْ مِنْ كُلِّ جَدَثٍ » بالجيم والثاء المثلثة ، وهذه القراءةُ تُؤَيِّدُ هذا التأويلَ ، و{ ينسلون } : معناه : يسرعون في تطامن .

وأسند الطبريُّ عن أبي سعيد قال : ( يخرج يأجوج ومأجوج فلا يتركون أحداً إلاَّ قتلوه ، إلاَّ أَهْلَ الحصون ، فيمرُّون على بحيرة طبرية فيمر آخرهم فيقول : كان هنا مرة ماء ، قال فيبعث اللّه عليهم النَغَف حتى تكسر أعناقهم ، فيقول أهل الحصون : لقد هلك أَعداءُ اللّه ، فيدلون رجلاً ينظر ، فيجدهم قد هلكوا ، قال : فينزل اللّه من السماء ماءً فيقذف بهم في البحر ، فيظهر اللّه الأَرض منهم .

وفي حديث حذيفة نحوُ هذا ، وفي آخره قال : وعند ذلك طلوعُ الشمس مِن مغربها .