معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسِۭ بِإِمَٰمِهِمۡۖ فَمَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَقۡرَءُونَ كِتَٰبَهُمۡ وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلٗا} (71)

قوله عز وجل : { يوم ندعوا كل أناس بإمامهم } ، قال مجاهد ، قتادة : بنبيهم . وقال : أبو صالح والضحاك : بكتابهم الذي أنزل عليهم . وقال الحسن و أبو العالية : بأعمالهم . وقال قتادة أيضاً : بكتابهم الذي فيه أعمالهم ، بدليل سياق الآية . { فمن أوتي كتابه بيمينه } ، ويسمى الكتاب إماماً كما قال عز وجل : { وكل شيء أحصيناه في إمام مبين } [ يس – 12 ] . وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما : بإمام زمانهم الذي دعاهم في الدنيا إلى ضلالة أو هدى ، قال الله تعالى : { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا } [ الأنبياء – 73 ] ، وقال : { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } [ القصص – 41 ] . وقيل : بمعبودهم . وعن سعيد بن المسيب قال : كل قوم يجتمعون إلى رئيسهم في الخير والشر . وقال محمد بن كعب : { بإمامهم } ، قيل : بعني بأمهاتهم ، وفيه ثلاثة أوجه من الحكمة أحدها : لأجل عيسى عليه السلام ، والثاني : لشرف الحسن والحسين ، والثالث : لئلا يفتضح أولاد الزنا . { فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم ولا يظلمون فتيلا } أي : لا ينقص من حقهم قدر فتيل .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسِۭ بِإِمَٰمِهِمۡۖ فَمَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَقۡرَءُونَ كِتَٰبَهُمۡ وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلٗا} (71)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلََئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } .

اختلفت أهل التأويل في معنى الإمام الذي ذكر الله جلّ ثناؤه أنه يدعو كلّ أناس به ، فقال بعضهم : هو نبيه ، ومن كان يقتدي به في الدنيا ويأتمّ به . ذكر من قال ذلك :

حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُناسٍ بِإمامِهِمْ قال : نبيهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد يَوْمَ نَدْعُوا كُلّ أُناسٍ بِإمامِهِمْ قال : نبيهم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : بِإمامِهِمْ قال : نبيهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة كُلّ أُناسٍ بِإمامِهِمْ قال : نبيهم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، مثله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك أنه يدعوهم بكتب أعمالهم التي عملوها في الدنيا . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُناسٍ بِإمامِهِمْ قال : الإمام : ما عمل وأملى ، فكتب عليه ، فمن بعث متقيا لله جعل كتابه بيمينه ، فقرأه واستبشر ، ولم يظلم فتيلاً ، وهو مثل قوله : وإنّهُما لَبِإمامٍ مُبِينٍ والإمام : ما أملى وعمل .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُناسِ بإمامِهِمْ قال : بأعمالهم .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : قال الحسن : بكتابهم الذي فيه أعمالهم .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ يقول : بكتابهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : بأعمالهم .

وقال آخرون : بل معناه : يوم ندعو كلّ أناس بكتابهم الذي أنزلت عليهم فيه أمري ونهيي . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت يحيى بن زيد في قول الله عزّ وجلّ يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُناسٍ بإمامهِمْ قال : بكتابهم الذي أنزل عليهم فيه أمر الله ونهيه وفرائضه ، والذي عليه يحاسبون ، وقرأ : لِكُلَ جَعَلنا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا قال : الشرعة : الدين ، والمنهاج : السنة ، وقرأ : شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحا قال : فنوح أوّلهم ، وأنت آخرهم .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُناسٍ بإمامِهِمْ بكتابهم .

وأولى هذه الأقوال عندنا بالصواب ، قول من قال : معنى ذلك : يوم ندعو كلّ أناس بإمامهم الذي كانوا يقتدون به ، ويأتمّون به في الدنيا ، لأن الأغلب من استعمال العرب الإمام فيما ائتمّ واقتدي به ، وتوجيه معاني كلام الله إلى الأَشهر أَوْلى ما لم تثبت حجة بخلافه يجب التسليم لها .

وقوله : فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينَهِ يقول : فمن أعطي كتاب عمله بيمينه فَأُولَئِكَ يَقَرَءُونَ كِتابَهُمْ ذلك حتى يعرفوا جميع ما فيه وَلا يُظلَمُونَ فَتِيلاً يقول تعالى ذكره : ولا يظلمهم الله من جزاء أعمالهم فتيلاً ، وهو المنفتل الذي في شقّ بطن النواة . وقد مضى البيان عن الفَتيل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله وَلا يُظلَمُونَ فَتِيلاً قال : الذي في شقّ النواة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسِۭ بِإِمَٰمِهِمۡۖ فَمَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَقۡرَءُونَ كِتَٰبَهُمۡ وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلٗا} (71)

انتقال من غرض التهديد بعاجل العذاب في الدنيا الذي في قوله : { ربكم الذي يزجى لكم الفلك في البحر } إلى قوله : { ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا } [ الإسراء : 66 69 ] إلى ذكر حال الناس في الآخرة تبشيراً وإنذاراً ، فالكلام استئناف ابتدائي ، والمناسبة ما علمتَ . ولا يحسن لفظ ( يومَ ) للتعلق بما قبله من قوله : { وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً } [ الإسراء : 70 ] على أن يكون تخلصاً من ذكر التفضيل إلى ذكر اليوم الذي تظهر فيه فوائد التفضيل ، فترجح أنه ابتداء مستأنف استئنافاً ابتدائياً ، ففتحة { يوم } إما فتحة إعراب على أنه مفعول به لفعل شائع الحذف في ابتداء العبر القرآنية وهو فِعل « اذكر » فيكون { يوم } هنا اسمَ زمان مفعولاً للفعل المقدر وليس ظرفاً .

والفاء في قوله : { فمن أوتي } للتفريع لأن فعْل ( اذكر ) المقدر يقتضي أمراً عظيماً مجملاً فوقع تفصيله بذكر الفاء وما بعدها فإن التفصيل يتفرع على الإجمال .

وإما أن تكون فتحته فتحةَ بناء لإضافته اسم الزمان إلى الفعل ، وهو إما في محل رفع بالابتداء ، وخبره جملة { فمن أوتي كتابه بيمينه } . وزيدت الفاء في الخبر على رأي الأخفش ، وقد حكى ابن هشام عن ابن بَرهان أن الفاء تزاد في الخبر عند جميع البصريين ما عدا سيبويه ؛ وإما ظرف لفعل محذوف دل عليه التقسيم الذي بعده ، أعني قوله : { فمن أوتي كتابه بيمينه } إلى قوله : { وأضل سبيلاً } . وتقدير المحذوف : تتفاوت الناس وتتغابَن . وبُيّن تفصيل ذلك المحذوف بالتفريع بقوله : { فمن أوتي كتابه } الخ .

والإمام : ما يؤتم به ، أي يُعمل على مِثل عمله أو سيرته . والمراد به هنا مبين الدين : من دين حق للأمم المؤمنة ومن دين كفر وباطل للأمم الضالة .

ومعنى دعاء الناس أن يُدعى يا أمةَ فلان ويا أتباعَ فلان ، مثل : يا أمة محمد ، يا أمةَ موسى ، يا أمة عيسى ، ومثل : يا أمة زَرادشت . ويا أمةَ برْهَما ، ويا أمةَ بُوذا ، ومثل : يا عبدة العزى ، يا عبدة بَعل ، يا عبدةَ نَسْر .

والباء لتعدية فعل { ندعوا } لأنه يتعدى بالباء ، يقال : دعوته بكنيته وتدَاعَوا بِشعارهِم .

وفائدة ندائهم بمتبوعيهم التعجيلُ بالمسرة لاتباع الهُداة وبالمساءة لاتباع الغُواة ، لأنهم إذا دُعوا بذلك رأوا متبوعيهم في المقامات المناسبة لهم فعلموا مصيرهم .

وفرع على هذا قوله : { فمن أوتي كتابه بيمينه } تفريع التفصيل لما أجمله قوله : { ندعوا كل أناس بإمامهم } ، أي ومن الناس من يُؤتى كتابه ، أي كتاب أعماله بيمينه .

وقوله : { فمن أوتي } عطف على مقدر يقتضيه قوله : { ندعوا كل أناس بإمامهم } أي فيؤتَوْن كتبهم ، أي صحائف أعمالهم .

وإيتاء الكتاب باليمين إلهام صاحبه إلى تناوله باليمين . وتلك علامة عناية بالمأخوذ ، لأن اليمين يأخذ بها من يعْزم عملاً عظيماً قال تعالى : { لأخذنا منه باليمين } [ الحاقة : 45 ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من تصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيباً تلقاها الرحمان بيَمينه وكلتَا يديْه يَمين . . . " الخ ، وقال الشمّاخ :

إذا ما رايةٌ رفعت لمجد *** تلقاها عَرابة باليمين

وأما أهل الشقاوة فيؤتَون كتبهم بشمائلهم ، كما في آية [ الحاقة : 25 ] { وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه } .

والإتيان باسم الإشارة بعد فاء جواب ( أما ) ، للتنبيه على أنهم دون غيرهم يقرؤون كتابهم ، لأن في اطلاعهم على ما فيه من فعل الخَير والجزاء عليْه مسرة لهم ونعيماً بتذكر ومعرفة ثوابه ، وذلك شأن كل صحيفة تشتمل على ما يسر وعلى تذكر الأعمال الصالحة ، كما يطالع المرء أخبار سلامة أحبائه وأصدقائه ورفاهة حالهم ، فتوفرُ الرغبة في قراءة أمثال هذه الكتب شنشنة معروفة .

وأما الفريق الآخر فسكت عن قراءة كتابهم هنا . وورد في الآية التي قبلها في هذه السورة { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } [ الإسراء : 13 14 ] .

والظلم مستعمل هنا بمعنى النقص كما في قوله تعالى : { كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً } [ الكهف : 33 ] ، لأن غالب الظلم يكون بانتزاع بعض ما عند المظلوم فلزمه النقصان فأطلق عليه مجازاً مرسلاً . ويفهم من هذا أن ما يعطاه من الجزاء مما يرغب الناس في ازدياده .

والفتيل : شبه الخَيط تكون في شق النواة وتقدم في قوله تعالى : { بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا } في سورة [ النساء : 49 ] ، وهو مثَل للشيء الحقير التافه ، أي لا ينقصون شيئاً ولو قليلاً جداً .