محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسِۭ بِإِمَٰمِهِمۡۖ فَمَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَقۡرَءُونَ كِتَٰبَهُمۡ وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلٗا} (71)

وقوله تعالى :

[ 71 ] { يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم ولا يظلمون فتيلا 71 } .

{ يوم ندعوا كل أناس بإمامهم } أي بمن ائتموا به من نبي أو مقدّم في الدين أو كتاب أو دين . فيقال : يا أتباع فلان ! يا أهل دين كذا وكتاب كذا وقيل : بكتاب أعمالهم . فيقال : يا أصحاب كتاب الخير ! ويا أصحاب كتاب الشر ! قالوا : وفيه شرف لأصحاب الحديث . لأن إمامهم النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال القاشاني : أي نحضر كل طائفة من الأمم مع شاهدهم الذي يحضرهم ويتوجهون إليه ويعرفونه ، سواء كان صورة نبي آمنوا به ، أو إمام اقتدوا به ، أو دين أو كتاب ، أو ما شئت . على أن تكون ( الباء ) بمعنى ( مع ) . أو ننسبهم إلى إمامهم وندعوهم باسمه ، لكونه هو الغالب عليهم وعلى أمرهم ، المستعلي محبتهم إياه على سائر محباتهم .

ورجح ابن كثير ، رحمه الله ، القول بأن الإمام هو كتاب الأعمال ، لقوله تعالى{[5414]} : { وكل شيء أحصيناه في إمام مبين } وقال تعالى{[5415]} : { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه . . . } الآية ، وقال تعالى{[5416]} : { وترى كل أمة جاثية ، كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون * هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ، إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } / وما رجحه رحمه الله هو الصواب . لأن القرآن يفسر بعضه بعضا . وأول ما ينبغي الاهتمام به في معاني الآيات ، هو الرجوع إلى نظائرها . وقوله تعالى : { فمن أوتي } أي من هؤلاء المدعوين { كتابه } أي كتاب أعماله : { بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم } أي فرحا وابتهاجا بما فيه من العمل الصالح : { ولا يظلمون فتيلا } أي لا ينقصون من أجورهم قدر فتيل ، وهو ما في شق النواة ، أو ما تفتله بين أصبعيك ، أو هو أدنى شيء . فإن الفتيل مثل في القلة ، كقوله تعالى{[5417]} : { ولا يظلمون شيئا } .


[5414]:[36 / يس / 12].
[5415]:[18 / الكهف / 49].
[5416]:[45 / الجاثية / 28 و 29].
[5417]:[19 / مريم / 60].