فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسِۭ بِإِمَٰمِهِمۡۖ فَمَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَقۡرَءُونَ كِتَٰبَهُمۡ وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلٗا} (71)

قوله : { يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم } قال الزجاج : يعني يوم القيامة ، وهو منصوب على معنى أذكر يوم ندعوا . وقرئ : ( يدعو ) بالياء التحتية على البناء للفاعل و( يدعى ) على البناء للمفعول ، والباء في { بإمامهم } للإلصاق كما تقول : أدعوك باسمك ، ويجوز أن تكون متعلقة بمحذوف هو حال ، والتقدير : ندعو كل أناس متلبسين بإمامهم ، أي : يدعون وإمامهم فيهم نحو ركب بجنوده ، والأوّل أولى . والإمام في اللغة كل ما يؤتمّ به من نبيّ أو مقدّم في الدين أو كتاب .

وقد اختلف المفسرون في تعيين الإمام الذي تدعى كل أناس به ، فقال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك إنه كتاب كلّ إنسان الذي فيه عمله أي : يدّعي كل إنسان بكتاب عمله ، ويؤيد هذا قوله : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابه } [ الحاقة : 19 ] . الآية ، وقال ابن زيد : الإمام هو الكتاب المنزل عليهم فيدعى أهل التوراة بالتوراة ، وأهل الإنجيل بالإنجيل ، وأهل القرآن بالقرآن ، فيقال : يا أهل التوراة ، يا أهل الإنجيل ، يا أهل القرآن . وقال مجاهد وقتادة : إمامهم : نبيهم فيقال : هاتوا متبعي إبراهيم ، هاتوا متبعي موسى ، هاتوا متبعي عيسى ، هاتوا متبعي محمد ، وبه قال الزجاج . وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ؛ المراد بالإمام إمام عصرهم ، فيدعى أهل كل عصر بإمامهم الذي كانوا يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه . وقال الحسن وأبو العالية : المراد { بإمامهم } : أعمالهم ، فيقال مثلاً : أين المجاهدون ، أين الصابرون ، أين الصائمون ، أين المصلون ؟ ونحو ذلك . وروي عن ابن عباس وأبي هريرة . وقال أبو عبيدة ، المراد بإمامهم صاحب مذهبهم ، فيقال مثلاً : أين التابعون للعالم فلان بن فلان ، وهذا من البعد بمكان . وقال محمد بن كعب : { بإمامهم } : بأمهاتهم ، على أن إمام جمع أمّ كخف وخفاف ، وهذا بعيد جدّاً . وقيل : الإمام : هو كل خلق يظهر من الإنسان حسن كالعلم والكرم والشجاعة ، أو قبيح كأضدادها ، فالداعي إلى تلك الأفعال خلق باطن هو كالإمام ، ذكر معناه الرازي في تفسيره { فَمَنْ أُوتَِي كتابه بِيَمِينِهِ } من أولئك المدعوّين ، وتخصيص اليمين بالذكر للتشريف والتبشير { فَأُوْلَئِكَ } الإشارة إلى «من » باعتبار معناه . قيل : ووجه الجمع الإشارة إلى أنهم مجتمعون على شأن جليل ، أو الإشعار بأن قراءتهم لكتبهم تكون على وجه الاجتماع لا على وجه الانفراد { يَقْرَأونَ كتابهم } الذي أوتوه { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } أي : لا ينقصون من أجورهم قدر فتيل ، وهو القشرة التي في شق النواة ، أو هو عبارة عن أقلّ شيء .

/خ77