إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسِۭ بِإِمَٰمِهِمۡۖ فَمَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَقۡرَءُونَ كِتَٰبَهُمۡ وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلٗا} (71)

{ يَوْمَ ندعوا } نُصب على المفعولية بإضمار اذكر أو ظرفٌ لما دل عليه قولُه تعالى : { وَلاَ يُظْلَمُونَ } وقرئ بالياء على البناء للفاعل والمفعول ويدعو بقلب الألف واواً على لغة من يقول في أفعى أفعو ، وقد جوّز كونُ الواو علامةَ الجمعِ كما في قوله تعالى :

{ وَأَسَرُّواْ النجوى } أو ضميرَه وكلَّ بدلاً منه ، والنونُ محذوفةٌ لقلة المبالاةِ بها فإنها ليست إلا علامةَ الرفع وقد يكتفى بتقديره كما في يدعى { كُلَّ أُنَاسٍ } من بني آدم الذين فعلنا بهم في الدنيا ما فعلنا من التكريم والتفضيلِ ، وهذا شروعٌ في بيان تفاوتِ أحوالِهم في الآخرة بحسب أحوالِهم وأعمالهم في الدنيا { بإمامهم } أي بمن ائتمّوا به من نبي أو مقدّم في الدين أو كتاب أو دين ؛ وقيل : بكتاب أعمالِهم التي قدموها فيقال : يا أصحابَ كتابِ الخيرِ يا أصحابَ كتابِ الشر ، أو يا أهلَ دينِ كذا يا أهلَ كتابِ كذا ، وقيل : الإمامُ جمعُ أم كُخف وخِفاف ، والحكمةُ في دعوتهم بأمهاتهم إجلالُ عيسى عليه السلام وتشريفُ الحسنين رضي الله عنهما والسترُ على أولاد الزنا { فَمَنْ أُوتِىَ } يومئذ من أولئك المدعوّين { كتابه } صحيفةَ أعماله { بِيَمِينِهِ } إبانةٌ لخطر الكتابِ المؤتى وتشريفاً لصاحبه وتبشيراً له من أول الأمرِ بما في مطاويه { فَأُوْلَئِكَ } إشارةٌ إلى مَنْ باعتبار معناه إيذاناً بأنهم حزبٌ مجتمعون على شأن جليلٍ ، أو إشعاراً بأن قراءتَهم لكتبهم تكون على وجه الاجتماعِ لا على وجه الانفرادِ كما في حال الإيتاءِ ، وما فيه من الدِلالة على البعد للإشعار برفعة درجاتِهم أي أولئك المختصون بتلك الكرامةِ التي يُشعِر بها الإيتاءُ المزبور { يَقْرَءونَ كتابهم } الذي أوتوه على الوجه المبين تبجّحاً بما سُطّر فيه من الحسنات المستتبِعةِ لفنون الكراماتِ { وَلاَ يُظْلَمُونَ } أي لا يُنقصون من أجور أعمالِهم المرتسمةِ في كتبهم بل يؤتَوْنها مضاعَفةً { فَتِيلاً } أي قدْرَ فتيلٍ وهو القِشرةُ التي في شق النواة أو أدنى شيءٍ فإن الفتيلَ مثلٌ في القِلة والحقارة .