جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسِۭ بِإِمَٰمِهِمۡۖ فَمَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَقۡرَءُونَ كِتَٰبَهُمۡ وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلٗا} (71)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلََئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } .

اختلفت أهل التأويل في معنى الإمام الذي ذكر الله جلّ ثناؤه أنه يدعو كلّ أناس به ، فقال بعضهم : هو نبيه ، ومن كان يقتدي به في الدنيا ويأتمّ به . ذكر من قال ذلك :

حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُناسٍ بِإمامِهِمْ قال : نبيهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد يَوْمَ نَدْعُوا كُلّ أُناسٍ بِإمامِهِمْ قال : نبيهم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : بِإمامِهِمْ قال : نبيهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة كُلّ أُناسٍ بِإمامِهِمْ قال : نبيهم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، مثله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك أنه يدعوهم بكتب أعمالهم التي عملوها في الدنيا . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُناسٍ بِإمامِهِمْ قال : الإمام : ما عمل وأملى ، فكتب عليه ، فمن بعث متقيا لله جعل كتابه بيمينه ، فقرأه واستبشر ، ولم يظلم فتيلاً ، وهو مثل قوله : وإنّهُما لَبِإمامٍ مُبِينٍ والإمام : ما أملى وعمل .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُناسِ بإمامِهِمْ قال : بأعمالهم .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : قال الحسن : بكتابهم الذي فيه أعمالهم .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ يقول : بكتابهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : بأعمالهم .

وقال آخرون : بل معناه : يوم ندعو كلّ أناس بكتابهم الذي أنزلت عليهم فيه أمري ونهيي . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت يحيى بن زيد في قول الله عزّ وجلّ يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُناسٍ بإمامهِمْ قال : بكتابهم الذي أنزل عليهم فيه أمر الله ونهيه وفرائضه ، والذي عليه يحاسبون ، وقرأ : لِكُلَ جَعَلنا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا قال : الشرعة : الدين ، والمنهاج : السنة ، وقرأ : شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحا قال : فنوح أوّلهم ، وأنت آخرهم .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُناسٍ بإمامِهِمْ بكتابهم .

وأولى هذه الأقوال عندنا بالصواب ، قول من قال : معنى ذلك : يوم ندعو كلّ أناس بإمامهم الذي كانوا يقتدون به ، ويأتمّون به في الدنيا ، لأن الأغلب من استعمال العرب الإمام فيما ائتمّ واقتدي به ، وتوجيه معاني كلام الله إلى الأَشهر أَوْلى ما لم تثبت حجة بخلافه يجب التسليم لها .

وقوله : فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينَهِ يقول : فمن أعطي كتاب عمله بيمينه فَأُولَئِكَ يَقَرَءُونَ كِتابَهُمْ ذلك حتى يعرفوا جميع ما فيه وَلا يُظلَمُونَ فَتِيلاً يقول تعالى ذكره : ولا يظلمهم الله من جزاء أعمالهم فتيلاً ، وهو المنفتل الذي في شقّ بطن النواة . وقد مضى البيان عن الفَتيل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله وَلا يُظلَمُونَ فَتِيلاً قال : الذي في شقّ النواة .