السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسِۭ بِإِمَٰمِهِمۡۖ فَمَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَقۡرَءُونَ كِتَٰبَهُمۡ وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلٗا} (71)

ولما ذكر تعالى أنواع كرامات الإنسان في الدنيا شرح أحوال درجاته في الآخرة بقوله تعالى : { يوم } أي : اذكر يوم { ندعوا } أي : بتلك العظمة { كل أناس } أي : منكم { بإمامهم } الإمام في اللغة كل من ائتمّ به قوم كانوا على هدى أو ضلالة فالنبيّ إمام أمّته والخليفة إمام رعيته والقرآن إمام المسلمين ، وإمام القوم هو الذي يقتدون به في الصلاة . وذكروا في تفسير الإمام هنا أقوالاً أحدها إمامهم نبيهم . روي ذلك مرفوعاً عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «فينادى يوم القيامة يا أمّة إبراهيم يا أمّة موسى يا أمّة عيسى يا أمّة محمد صلى الله عليه وسلم فيقوم أهل الحق الذين اتبعوا الأنبياء فيأخذون كتبهم بأيمانهم ثم ينادى الأتباع يا أتباع ثمود يا أتباع فرعون يا أتباع فلان وفلان من رؤساء الضلال وأكابر الكفر » . الثاني : أنّ إمامهم كتابهم الذي أنزل عليهم فينادى في القيامة يا أهل القرآن ، يا أهل التوراة ، يا أهل الإنجيل . الثالث : إمامهم كتاب أعمالهم قال تعالى : { وكل شيء أحصيناه في إمام مبين } [ يس 12 ] فسمى الله تعالى هذا الكتاب إماماً . قال الزمخشري : ومن بدع التفاسير أنّ الإمام جمع أمّ وأنّ الناس يدعون يوم القيامة بأمّهاتهم دون آبائهم وان الحكمة فيه رعاية حق عيسى وإظهار شرف الحسن والحسين وأن لا تفتضح أولاد الزنا . قال : وليت شعري أيهما أبدع البدع ؟ ! أصحة لفظه أم بهاء حكمته . قال ابن عادل : وهو معذور لأن أمّا لا يجمع على إمام هذا قول من لا يعرف الصناعة ولا لغة العرب . { فمن أوتي } أي : من المدعوّين { كتابه } أي : كتاب عمله { بيمينه } وهم السعداء أولو البصائر في الدنيا { فأولئك يقرؤون كتابهم } ابتهاجاً وتبجحاً بما يرون فيه من الحسنات { ولا يظلمون } بنقص حسنة ما من ظالم ما { فتيلاً } أي : شيئاً في غاية القلة والحقارة بل يزدادون بحسب إخلاص النيات وطهارة الأخلاق وزكاة الأعمال .

تنبيه : الفتيل القشرة التي في شق النواة تسمى بذلك لأنه إذا رام الإنسان إخراجه انفتل وهذا مثل يضرب للشيء الحقير التافه ومثله القطمير وهو الغلالة التي في ظهر النواة ، والنقير وهي النقرة التي في ظهر النواة . وروى مجاهد عن ابن عباس قال : الفتيل هو الوسخ الذي يفتله الإنسان بين سبابته وإبهامه . فإن قيل : لم خص أصحاب اليمين بقراءة كتابهم مع أن أهل الشمال يقرؤونه ؟ أجيب : بأن أصحاب الشمال إذا طالعوا كتابهم وجدوه مشتملاً على المهلكات العظيمة والقبائح الكاملة فيستولي الخوف على قلوبهم ويثقل لسانهم فيعجزون عن القراءة الكاملة وأمّا اصحاب اليمين فأمرهم على عكس ذلك ، لا جرم أنهم يقرؤون كتابهم على أحسن الوجوه ثم لا يقنعون بقراءتهم وحدهم بل يقول القارئ لأهل المحشر : { هاؤم اقرؤوا كتابيه } [ الحاقة ، 19 ] جعلنا الله تعالى وجميع أحبابنا منهم .