نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسِۭ بِإِمَٰمِهِمۡۖ فَمَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَقۡرَءُونَ كِتَٰبَهُمۡ وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلٗا} (71)

ولما قرر سبحانه قدرته على التفضيل في الحياة الحسية والمعنوية ، والمفاضلة بين الأشياء في الشيئين فثبتت بذلك قدرته على البعث ، وختم ذلك بتفضيل البشر ، وكان يوم الدين أعظم يوم يظهر في التفضيل ، أبدل من قوله { يوم يدعوكم } مرهباً من سطواته في ذلك اليوم ، ومرغباً في اقتناء الفضائل في هذا اليوم قوله تعالى : { يوم ندعوا } أي بتلك العظمة { كل أناس } أي منكم { بإمامهم } أي بمتبوعهم الذي كانوا يتبعونه ، فيقال : يا أتباع نوح ! يا أتباع إبراهيم ! يا أتبا ع موسى ! يا أتباع عيسى ! يا أتباع محمد ! فيقومون فيميز بين محقيهم ومبطليهم ، ويقال : يا أتباع الهوى ! يا أتباع النار ! يا أتباع الشمس ! يا أتباع الأصنام ! ونحو هذا ، أو يكون المراد بسبب أعمالهم التي ربطناهم بها ربط المأموم بإمامه كما قال تعالى { وكل إنسان الزمناه طائره في عنقه } وسماها إماماً لكونهم أموها واجتهدوا في قصدها ، وندفع إليهم الكتب التي أحصت حفظتنا فيها تلك الأعمال { فمن أوتي } منهم من مؤتٍ ما { كتابه بيمينه } فهم البصراء القلوب لتقواهم وإحسانهم ، وهم البصراء في الدنيا ، ومن كان في هذه الدنيا بصيراً فهو في الآخرة أبصر وأهدى سبيلاً { فأولئك } أي العالو المراتب { يقرءون كتابهم } أي يجددون قراءته ويكررونها سروراً بما فيه كما هو دأب كل من سر بكتاب { ولا يظلمون } بنقص حسنة ما من ظالم ما { فتيلاً * } أي شيئاً هو في غاية القلة والحقارة ، بل يزادون بحسب إخلاص النيات وطهارة الأخلاق وزكاء الأعمال ، ومن أوتي كتابه بشماله فهو لا يقرأ كتابه لأنه أعمى في هذه الدار