قوله تعالى : { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم } ، فيعاجلهم بالعقوبة على كفرهم وعصيانهم ، { ما ترك عليها } ، أي : على الأرض ، كناية عن غير مذكور ، { من دابة } . وقال قتادة في الآية : قد فعل الله ذلك في زمن نوح ، فأهلك من على الأرض ، إلا من كان في سفينة نوح عليه السلام . روي أن أبا هريرة سمع رجلاً يقول : إن الظالم لا يضر إلا نفسه ، فقال : بئس ما قلت ، إن الحبارى تموت في وكرها بظلم الظالم . وقال ابن مسعود : إن الجعل لتعذب في جحرها بذنب ابن آدم . وقيل : معنى الآية : لو يؤاخذ الله آباء الظالمين بظلمهم ، لانقطع النسل ، ولم توجد الأبناء ، فلم يبق في الأرض أحد . { ولكن يؤخرهم إلى أجل } ، يمهلهم بحلمه إلى أجل ، { مسمىً } ، إلى منتهى آجالهم وانقطاع أعمارهم . { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ مّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبّةٍ وَلَكِن يُؤَخّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مّسَمّىَ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وَلَوْ يُؤاخِذُ اللّهُ عصاة بني آدم بمعاصيهم ، ما تَرَكَ عَلَيْها ، يعني على الأرض ، مِنْ دَابّةٍ تدبّ عليها . ولَكِنْ يُؤخّرُهُمْ ، يقول : ولكن بحلمه يؤخر هؤلاء الظلمة فلا يُعاجلهم بالعقوبة ، إلى أجَلٍ مُسَمّى ، يقول : إلى وقتهم الذي وُقّت لهم . فإذَا جاءَ أجَلُهُمْ ، يقول : فإذا جاء الوقت الذي وُقّت لهلاكهم ، لا يَسْتَأْخِرُونَ عن الهلاك ساعة فيمهلون ، وَلا يَسْتَقْدِمُونَ له حتى يستوفُوا آجالهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، قال : كاد الجُعَل أن يعذّب بذنب بني آدم . وقرأ : لَوْ يُؤاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِظُلْمهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابّةٍ .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا إسماعيل بن حكيم الخزاعيّ ، قال : حدثنا محمد بن جابر الجعفي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، قال : سمع أبو هريرة رجلاً وهو يقول : إن الظالم لا يضرّ إلا نفسه ، قال : فالتفت إليه فقال : بلى ، والله إن الحباري لتموت في وكرها هزالاً بظلم الظالم .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا أبو عبيدة الحداد ، قال : حدثنا قرة بن خالد السدوسي ، عن الزبير بن عديّ ، قال : قال ابن مسعود : خطيئة ابن آدم قتلت الجُعَل .
حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، قال : قال عبد الله : كاد الجُعَل أن يهلك في جُحره بخطيئة ابن آدم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أخبرنا إسحاق ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، قال الله : فإذَا جاءَ أجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ قال : نرى أنه إذا حضر أجله فلا يؤخر ساعة ، ولا يقدّم ما لم يحضر أجله ، فإن الله يؤخّر ما شاء ويُقدّم ما شاءَ .
وقوله : { ولو يؤاخذ الله الناس } الآية ، وآخذ هو تفاعل من أخذ ، كأن أحد المتواخذين يأخذ من الآخر ، إما بمعصية ، كما هي في حق الله تعالى ، أو بإذاية في جهة المخلوقين ، فيأخذ الآخر من الأول بالمعاقبة والجزاء ، وهي لغتان واخذ وآخذ ، و { يؤاخذ } يصح أن يكون من آخذ ، وأما كونها من واخذ فبين ، والضمير في { عليها } عائد على الأرض ، وتمكن ذلك مع أنه لم يجر لها ذكر لشهرتها ، وتمكن الإشارة لها كما قال لبيد في الشمس :
حتى إذا ألقت يداً في كافر . . . وأجنَّ عورات البلاد ظلامُها{[7345]}
ومنه قول تعالى : { حتى توارت بالحجاب }{[7346]} [ ص : 32 ] ، ولم يجر للشمس ذكر ، وقوله : { من دابة } ، دخلت { من } ؛ لاستغراق الجنس ، وظاهر الآية أن الله تعالى أخبر أنه لو أخذ الناس بعقاب يستحقونه بظلمهم ، في كفرهم ومعاصيهم ، لكان ذلك العقاب يهلك منه جميع ما يدب على الأرض من حيوان ، فكأنه بالقحوط أو بأمر يصيبهم من الله تعالى ، وعلى هذا التأويل قال بعض العلماء : كاد الجُعَل{[7347]} أن يهلك بذنوب بني آدم ، ذكره الطبري ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إن الله تعالى ليهزل الحوت في الماء والطير في الهواء بذنوب العصاة »{[7348]} ، وسمع أبو هريرة رجلاً يقول : إن الظالم لا يهلك إلا نفسه ، فقال أبو هريرة : بلى إن الله ليهلك الحبارى في وكرها هزالاً{[7349]} بذنوب الظلمة ، وقد نطقت الشريعة في أخبارها بأن الله تعالى أهلك الأمم بريها وعاصيها بذنوب العصاة منهم ، وقالت فرقة : قوله : { من دابة } ، يريد من أولئك الظلمة فقط ، ويدل على هذا التخصيص ، أن الله لا يعاقب أحداً بذنب أحد ، واحتج بقول الله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى }{[7350]} [ الأنعام : 164 ] ، وهذا معنى آخر ، وذلك أن الله تعالى لا يجعل العقوبة تقصد أحداً بسبب إِذْنَاب غيره ، ولكن إذا أرسل عذاباً على أمة عاصية ، لم يمكن البري التخليص من ذلك العذاب ، فأصابه العذاب ، لا بأنه له مجازاة ، ونحو هذا قوله :
{ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة }{[7351]} [ الأنفال : 25 ] ، وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال «نعم إذا كثر الخبث »{[7352]} ، ثم لا بد من تعلق ظلم ما بالأبرياء ، وذلك بترك التغير ومداهنة أهل الظلم ، ومداومة جوارهم ، و «الأجل المسمى » في هذه الآية هو بحسب شخص شخص ، وفي معنى الآية مع أمائرها اختصار وإيجاز .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.