قوله تعالى : { وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا } أرض مكة ، نزلت في الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف ، وذلك أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا لنعلم أن الذي تقول حق ، ولكنا إن اتبعناك على دينك خفنا أن تخرجنا العرب من أرضنا مكة . وهو معنى قوله : { نتخطف من أرضنا } والاختطاف : الانتزاع بسرعة . قال الله تعالى : { أولم نمكن لهم حرما آمنا } وذلك أن العرب في الجاهلية كانت تغير بعضهم على بعض ، ويقتل بعضهم بعضاً ، وأهل مكة آمنون حيث كانوا ، لحرمة الحرم ، ومن المعروف أنه كان يأمن فيه الظباء من الذئاب والحمام من الحدأة ، { يجبى } قرأ أهل المدينة ويعقوب : تجبى بالتاء لأجل الثمرات ، والآخرون بالياء للحائل بين الاسم المؤنث والفعل ، أي : يجلب ويجمع ، { إليه } يقال : جبيت الماء في الحوض أي : جمعته ، قال مقاتل : يحمل إلى الحرم ، { ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون } أن ما يقوله حق .
ثم حكى - سبحانه - جانبا من الاعتذارات الواهية التى تذرع بها المشركون فى عدم الدخول فى الإسلام .
فقال - تعالى - : { وقالوا إِن نَّتَّبِعِ الهدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ } والتخطف : الانتزاع بسرعة . يقال : فلان اختطفه الموت . إذا أخذه بغتة بدون إمهال .
وقد ذكروا فى سبب نزولها ، أن بعض المشركين أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال له : يا محمد ، نحن نعلم أنك على الحق ، ولكنا نخشى إن اتبعناك ، وخالفنا العرب ، أن يتخطفونا من أرضنا ، وإنما نحن أكلة رأس - أى : قليلون لا نستطيع مقاومة العرب .
وقد رد الله - تعالى - على تعللهم هذا بقوله : { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } .
وقوله : { يجبى إِلَيْهِ } أى : يحمل إليه ، يقال جبى فلان الماء فى الحوض إذا جمعه فيه ، وحمله إليه .
والاستفهام لتقريعهم على قولهم هذا الذى يخالف الحقيقة .
أى : كيف قالوا ذلك ، مع أننا قد جعلنا لهم حرما ذا أمان يعيشون من حوله ، وتأتيهم خيرات الأرض من كل مكان ، وقد فعلنا ذلك معهم وهم مشركون ، فكيف نعرضهم للخطف وهم مؤمنون .
قال صاحب الكشاف : وكانت العرب فى الجاهلية حولهم - أى حول أهل مكة - يتغاورون ويتناحرون وهم آمنون مطمئنون فى حرمهم ، وبحرمة البيت هم قارون بواد غير ذى زرع ، والثمرات والأرزاق تجبى إليهم من كل مكان ، فإذا خولهم الله ما خولهم من الأمن والرزق بحرمة البيت وحدها ، وهم كفرة عبدة أصنام ، فكيف يستقيم أن يعرضهم للتخطف والخوف ، ويسلبهم الأمن ، إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة ، الإسلام . . .
والتعبير بقوله - سبحانه - : { يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً } للإشعار بكثرة الخيرات والثمرات ، التى تأتى إلى أهل مكة من كل جانب من جوانب الأرض ، ومن كل نوع من أنواع ثمارها . والجملة الكريمة صفة من صفات الحرم .
وقوله - تعالى - : { مِّن لَّدُنَّا } أى : من جهتنا ومن عندنا وليس من عند غيرنا الذين تخشون غضبهم أو تخطفهم لكم ، إن اتبعتم الرسول صلى الله عليه وسلم .
فالمقصود بهذه الجملة الكريمة بيان سعة فضل الله - تعالى - ، وأنه هو القادر على كل شىء .
وقوله - تعالى - : { ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } متعلق بقوله { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً } .
أى : لقد جعلنا لهم حرما ذا أمن ، وأفضنا عليهم من خيرات الأرض ، ولكن أكثرهم يجهلون هذه الحقيقة ، ويجهلون أن اتباعهم للدين الحق ، يؤدى إلى سعادتهم فى حياتهم وبعد مماتهم .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حَوْلِهِمْ أفبالباطل يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ الله يَكْفُرُونَ }
{ وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا } نخرج منها . نزلت في الحرث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : نحن نعلم أنك على الحق ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب وإنما نحن أكلة رأس أن يتخطفونا من أرضنا فرد الله عليهم بقوله : { و لم نمكن لهم حرما آمنا } أو لم نجعل مكانهم حرما ذا أمن بحرمة البيت الذي فيه يتناحر العرب حوله وهم آمنون فيه . { يجبى إليه } يحمل إليه ويجمع فيه ، وقرأ نافع ويعقوب في رواية بالتاء . { ثمرات كل شيء } من كل أوب . { رزقا من لدنا } فإذا كان هذا حالهم وهم عبدة الأصنام فكيف نعرضهم للتخوف والتخطف إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة التوحيد . { ولكن أكثرهم لا يعلمون } جهلة لا يتفطنون له ولا يتفكرون ليعلموه ، وقيل إنه متعلق بقوله { من لدنا } أي قليل منهم يتدبرون فيعلمون أن ذلك رزق من عند الله ، وأكثرهم لا يعلمون إذ لو علموا لما خافوا غيره ، وانتصاب { رزقا } على المصدر من معنى { يجبى } ، أو حال من ال { ثمرات } لتخصصها بالإضافة ، ثم بين أن الأمر بالعكس فإنهم أحقاء بأن يخافوا من بأس الله على ما هم عليه بقوله : { وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها } .
والضمير في قوله { وقالوا } لقريش ، قال ابن عباس والمتكلم بذلك فيهم الحارث بن نوفل وقصد الإخبار بأن العرب تنكر عليهم رفض الأوثان وفراق حكم الجاهلية فتخطفهم من أرضهم ، وقوله و { الهدى } معناه على زعمك ، وحكى الثعلبي أنه قال له إنا لنعلم أن الذي تقول حق ولكن إن اتبعناك تخطفنا العرب فقطعهم الله تعالى بالحجة ، أي أليس كون الحرم لكم مما يسرناه وكففنا عنكم الأيدي فيه فكيف بكم لو أسلمتم واتبعتم ديني وشرعي ، وروي عن أبي عمرو «نتخطفُ » بضم الفاء ، و «أمن الحرم » هو أن لا يغزى ولا يؤذى فيه أحد ، وقوله تعالى { يجبى إليه ثمرات كل شيء } أي تجمع وتجلب ، وقرأ نافع وحده «تجبى » بالتاء من فوق ، وقرأ الباقون «يجبى » بياء من تحت ، ورويت التاء من فوق عن أبي عمرو وأبي جعفر وشيبة بن ناصح ، وقوله تعالى : { كل شيء } ، يريد مما به صلاح حالهم وقوام أمرهم ، وليس العموم فيه على الإطلاق ، وقرأ أبان بن تغلب «ثُمُرات » بضم الثاء والميم ، ثم توعد تعالى قريشاً بضرب المثل بالقرى المهلكة ، أي فلا تغتروا بالحرم والأمن والثمرات التي تجبى ، فإن الله تعالى يهلك الكفرة على ما سلف في الأمم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.