تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{وَقَالُوٓاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلۡهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفۡ مِنۡ أَرۡضِنَآۚ أَوَلَمۡ نُمَكِّن لَّهُمۡ حَرَمًا ءَامِنٗا يُجۡبَىٰٓ إِلَيۡهِ ثَمَرَٰتُ كُلِّ شَيۡءٖ رِّزۡقٗا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (57)

{ 57-59 } { وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }

يخبر تعالى أن المكذبين من قريش وأهل مكة ، يقولون للرسول صلى اللّه عليه وسلم : { إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا } بالقتل والأسر ونهب الأموال ، فإن الناس قد عادوك وخالفوك ، فلو تابعناك لتعرضنا لمعاداة الناس كلهم ، ولم يكن لنا بهم طاقة .

وهذا الكلام منهم ، يدل على سوء الظن باللّه تعالى ، وأنه لا ينصر دينه ، ولا يعلي كلمته ، بل يمكن الناس من أهل دينه ، فيسومونهم سوء العذاب ، وظنوا أن الباطل سيعلو على الحق .

قال اللّه مبينا لهم حالة هم بها دون الناس وأن اللّه اختصهم بها ، فقال : { أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا } أي : أولم نجعلهم متمكنين [ ممكنين ] في حرم يكثره المنتابون ويقصده الزائرون ، قد احترمه البعيد والقريب ، فلا يهاج أهله ، ولا ينتقصون بقليل [ ولا كثير ] .

والحال أن كل ما حولهم من الأماكن ، قد حف بها الخوف من كل جانب ، وأهلها غير آمنين ولا مطمئنين ، فَلْيَحْمَدُوا ربهم على هذا الأمن التام ، الذي ليس فيه غيرهم ، وعلى الرزق الكثير ، الذي يجيء إليهم من كل مكان ، من الثمرات والأطعمة والبضائع ، ما به يرتزقون ويتوسعون . ولْيَتَّبِعُوا هذا الرسول الكريم ، ليتم لهم الأمن والرغد .

وإياهم وتكذيبه ، والبطر بنعمة الله ، فيبدلوا من بعد أمنهم خوفا ، وبعد عزهم ذلا ، وبعد غناهم فقرا ، ولهذا توعدهم بما فعل بالأمم قبلهم ، فقال :