فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَالُوٓاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلۡهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفۡ مِنۡ أَرۡضِنَآۚ أَوَلَمۡ نُمَكِّن لَّهُمۡ حَرَمًا ءَامِنٗا يُجۡبَىٰٓ إِلَيۡهِ ثَمَرَٰتُ كُلِّ شَيۡءٖ رِّزۡقٗا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (57)

{ وقالوا : إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا } أي : قال مشركو قريش ، ومن تابعهم إن ندخل في دينك ، ونعمل به يا محمد يتخطفنا العرب من مكة ، وننتزع منها بسرعة ولا طاقة لنا بهم ، وهذا من جملة أعذارهم الباطلة وتعللاتهم العاطلة ، والتخطف في الأصل هو الانتزاع بسرعة ، وقرئ نتخطف عليهم بالجزم على جواب الأمر ، وبالرفع على الاستئناف ، ثم رد الله ذلك عليهم ردا مصدرا باستفهام التوبيخ والتقريع ، وألقمهم الحجر فقال :

{ أولم نمكن لهم حرما آمنا ؟ } أي ألم نجعل لهم حرما ذا أمن ؟ أو مؤمنا يؤمن من دخله ؟ قال أبو البقاء : عداه بنفسه لأنه بمعنى جعل ، كما صرح بذلك في قوله أو " لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا " ومكن متعد بنفسه من غير أن يضمن معنى جعل ، كقوله : مكانهم فيما إن مكانكم فيه ؛ وإسناد الأمن إلى أهل الحرم حقيقة ، وإلى الحرم مجاز عقلي ، ومن المعروف أنه كان تأمن فيه الظباء من الذئاب ، والحمام من الحدأة ، ثم وصف هذا الحرم بصفة أخرى ، دافعة لما عسى يتوهم من تضررهم بانقطاعه الميرة بقوله :

{ يجبى إليه ثمرات كل شيء } أي : تجمع إليه الثمرات على اختلاف أنواعها من الأراضي المختلفة ، وتحمل إليه من الشام ، والعراق ، واليمن وتساق إليه ، فمعنى الكلية الكثرة على سبيل المجاز ، كقوله : وأويت من كل شيء ، قرئ يجبى بالتحتية اعتبارا بتذكير كل شيء ، ووجود الحائل بين الفعل وبين ( ثمرات ) وأيضا ليس تأنيث ثمرات بحقيقي . وبالفوقية اعتبارا بثمرات وقرئ ثمرات بفتحتين وبضمتين ؛ جمع ثمر بضمتين . وقرئ بفتح الثاء وسكون الميم .

{ رزقا من لدنا } أي : نسوقه إليهم رزقا من عندنا أو رازقين { ولكن أكثرهم لا يعلمون } أن ما نقوله حق لفرط جهلهم ، ومزيد غفلتهم ، وعدم تفكرهم في أمر معادهم ، ورشادهم ، لكونهم ممن طبع الله على قلبه ، وجعل على بصره غشاوة .