غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَقَالُوٓاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلۡهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفۡ مِنۡ أَرۡضِنَآۚ أَوَلَمۡ نُمَكِّن لَّهُمۡ حَرَمًا ءَامِنٗا يُجۡبَىٰٓ إِلَيۡهِ ثَمَرَٰتُ كُلِّ شَيۡءٖ رِّزۡقٗا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (57)

43

وحيث بين أن وضوح الدلائل لا يكفي ما لم ينضم إليه هداية الله سبحانه حكى عنهم شبهة أخرى متعلقة بالدنيا وذلك أنهم : { قالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا } يروى أن الحرث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا لنعلم أن الذي تقوله حق ولكن يمنعنا من ذلك أن تسلبنا العرب بسرعة أي يجتمعون على محاربتنا ويخرجوننا ، فأجاب الله سبحانه عن شبهتهم بقوله { أولم نمكن لهم حرماً آمناً } يروى أن العرب كانوا يشتغلون بالنهب والغارة خارج الحرم وما كانوا يتعرضون ألبتة لسكان الحرم وقد زاد الله حرمته بقوله { ومن دخله كان آمناً }

[ آل عمران : 97 ] وبين مزيته بقوله { يجبى إليه ثمرات كل شيء } قالوا : الكل ههنا بمعنى الأكثر . قلت : يحتمل أن يكون على أصله . وانتصب { رزقاً } على أنه مصدر لأن { يجبى } بمعنى يرزق ، أو على أنه مفعول لأجله . وإن جعلته بمعنى مرزوق كان حالاً من الثمرات لتخصصها بالإضافة . وحاصل الجواب أنه لما جعل الحرم آمناً وأكثر فيه الرزق حال كونهم معرضين عن عبادة الله تعالى مقبلين على عبادة الأوثان ، فبقاء هذه الحالة مع الإيمان أولى . ولا يخفى أن التخطف على تقدير وقوعه لا يصلح عذراً لعدم الإيمان فإن درجة الشهادة أعلى وأجل ، ومضرة التخطف أهون من العقاب الدائم إلا أنه تعالى احتج عليهم بما هو معلوم من عادة العرب وهو أنهم كانوا لا يتعرضون لقطان الحرم والأمر البين للحس أولى بأن يفحم به الخصم فلذلك قدمه الله تعالى . وفي الآية دلالة على صحة المحاجة . لإزالة شبهة المبطلين . قالت الأشاعرة : الأرزاق إنما تصل إليهم على أيدي الناس وقد أضاف الرزق إلى نفسه فدل ذلك على أن أفعال العباد مستندة إلى الله . ومن تأمل في الآية علم أن العبد يجب أن لا يخاف ولا يرجو إلا من الله .

/خ70