قوله تعالى : { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } ، اختلفوا في هذه البشرى : روي عن عبادة بن الصامت قال : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى : { لهم البشرى في الحياة الدنيا } ، قال : هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد ابن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، عن الزهري ، حدثني سعيد بن المسيب ، أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لم يبق من النبوة إلا المبشرات ، قالوا : وما المبشرات ؟ قال : الرؤيا الصالحة " . وقيل : البشري في الدنيا هي : الثناء الحسن وفى الآخرة : الجنة .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا عبد الرزاق بن أبي شريج ، أنا أبو القاسم البغوي ، حدثنا علي بن الجعد ، أنا شعبة عن أبي عمران الجوني قال : سمعت عبد الله بن الصامت قال : " قال أبو ذر : يا رسول الله الرجل يعمل لنفسه ويحبه الناس ؟ قال : تلك عاجل بشرى المؤمن " .
وأخرج مسلم بن الحجاج هذا الحديث عن يحيى بن يحيى عن حماد بن زيد عن أبي عمران ، وقال : ويحمده الناس عليه . وقال الزهري وقتادة : هي نزول الملائكة بالبشارة من الله تعالى عند الموت ، قال الله تعالى : { تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } [ فصلت-30 ] . وقال عطاء عن ابن عباس : البشرى في الدنيا ، يريد : عند الموت تأتيهم الملائكة بالبشارة ، وفى الآخرة عند خروج نفس المؤمن ، يعرج بها إلى الله ، ويبشر برضوان الله . وقال الحسن : هي ما بشر الله المؤمنين في كتابه من جنته وكريم ثوابه ، كقوله : { وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات } [ البقرة- 25 ] ، { وبشر المؤمنين } [ الأحزاب-47 ] { وأبشروا بالجنة } [ فصلت-30 ] . وقيل : بشرهم في الدنيا بالكتاب والرسول أنهم أولياء الله ، ويبشرهم في القبور وفى كتب أعمالهم بالجنة . { لا تبديل لكلمات الله } ، لا تغيير لقوله ، ولا خلف لوعده . { ذلك هو الفوز العظيم * }
وقوله - سبحانه - { لَهُمُ البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة } زيادة تكريم وتشريف لهم .
والبشرى والبشارة : الخبر السار ، فهو أخص من الخبر ، وسمى بذلك لأن أثره يظهر على البشرة وهى ظاهر جلد الإِنسان ، فيجعله متهلل الوجه ، منبسط الأسارير ، مبتهج النفس .
أى : لهم ما يسرهم ويسعدهم في الدنيا من حياة آمنة طيبة ، ولهم - أيضاً - في الآخرة ما يسرهم من فوز برضوان الله ، ومن دخول جنته .
قال الآلوسى ما ملخصه : " والثابت في أكثر الروايات ، أن البشرى في الحياة الدنيا ، هي الرؤيا الصالحة . . فقد أخرد الطيالسي وأحمد الدارمي والترمذي . . وغيرهم عن عبادة بن الصامت قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله - تعالى - { لَهُمُ البشرى في الحياة الدنيا } فقال : " هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له " .
وقيل المراد بالبشرى : البشرى العاجلة نحو النصر والغنيمة والثناء الحسن ، والذكر الجميل ، ومحبة الناس ، وغير ذلك .
ثم قال : وأنت تعلم أنه لا ينبغي العدول عما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تفسير ذلك إذا صح . وحيث عدل من عدل لعدم وقوفه على ذلك فيما أظن ، فالأولى أن تحمل البشرى في الدارين على البشارة بما يحقق نفي الخوف والحزن كائناً ما كان . . . "
وقوله : { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله } أى : لا تغيير ولا خلف لأقوال الله - تعالى - ولا لما وعد به عباده الصالحين من وعود حسنة ، على رأسها هذه البشرى التي تسعدهم في الحياة الدنيا وفى الآخرة .
واسم الإِشارة في قوله - تعالى - { ذلك هُوَ الفوز العظيم } يعود إلى ما ذكر من البشرى في الدارين .
أى : ذلك المذكور من أن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة ، هو الفوز العظيم الذي لا فوز وراءه ، والذي لا يفوته نجاح أو فضل .
هذا ، وقبد نقل الشيخ القاسمي - رحمه الله - كلاما حسنا من كتاب " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان " فقال ما ملخصه :
هذه الآيات أصل في بيان أولياء الله ، وقد بين - سبحانه - في كتابه ، وبين رسوله في سنته أن الله أولياء من الناس ، كما أن للشيطان أولياء .
وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن ، وأولياء الشيطان ، فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء ، كما فرق الله ورسوله بينهما ، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون . كما في هذه الآية ، وفى الحديث الصحيح : " من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ، أو فقد آذنته بالحرب . . . "
والولاية ضد العداوة ، وأصل الولاية المحبة والقرب ، وأصل العداوة البغض والبعد ، وأفضل أولياء الله هم أنبياؤه ، وأفضل أنبيائه هم المرسلون منهم ، وأفضلهم محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين . . فلا يكون وليا إلا من آمن به واتبعه ، ومن خالفه كان من أولياء الشيطان . . .
وإذا كان أولياء الله هم المؤمنون المتقون ، فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله - تعالى - فمن كان أكمل إيماناً وتقوى ، كان أكمل ولاية لله .
فالناس متفاضلون في ولاية الله - عز وجل - بحسب تفاضلهم في الإِيمان والتقوى .
ومن أظهر الولاية وهو لا يؤدي الفرائض ، ولا يجتنب المحارم ، كان كاذباً في دعواه ، أو كان مجنوناً .
وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات ، فلا يتميزون بلباس دون لباس ، ولا بحلق شعر أو تقصير . . بل يوجدون في جميع طبقات الأمة . فيوجدون في أهل القرآن ، وأهل العلم ، وفى أهل الجهاد والسيف ، وفى التجار والزراع والصناع . . .
وليس من شرط الولي أن يكون معصوماً لا يغلط ولا يخطئ ، بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة ، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين . . .
القول في تأويل قوله تعالى : { لَهُمُ الْبُشْرَىَ فِي الْحَياةِ الدّنْيَا وَفِي الاَخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .
يقول تعالى ذكره : البشرى من الله في الحياة الدنيا وفي الاَخرة لأولياء الله الذين آمنوا وكانوا يتقون .
ثم اختلف أهل التأويل في البشرى التي بشّر الله بها هؤلاء القوم ما هي ، وما صفتها ؟ فقال بعضهم : هي الرؤية الصالحة يراها الرجل المسلم أو ترى له ، وفي الاَخرة الجنة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن ذكوان ، عن شيخ ، عن أبي الدرداء ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها المُؤْمِنُ أوْ تَرُى لَهُ » .
حدثنا العباس بن الوليد ، قال : أخبرني أبي ، قال : أخبرنا الأوزاعي ، قال : أخبرني يحيى بن أبي كثير ، قال : ثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، قال : سأل عبادة بن الصامت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن هذه الآية : الّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتّقُونَ لهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنيَا وفِي الاَخِرَةِ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَقَدْ سأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ ما سأَلَنِي عَنْهُ أحَدٌ قَبْلَكَ » ، أو قال : «غْيَركَ » . قال : «هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها الرّجُلُ الصّالِحُ ، أوْ تُرَى لَهُ » .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو داود عمن ذكره ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن ، عن عبادة بن الصامت ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن قول الله تعالى : الّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتّقُونَ . لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنيَا وفِي الاَخِرَةِ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها المُسْلِمُ أوْ تُرَى لَهُ » .
حدثنا أبو قلابة ، قال : حدثنا مسلم ، قال : حدثنا أبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن عبادة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، نحوه .
حدثنا ابن المثنى وأبو عثمان بن عمر ، قالا : حدثنا عليّ بن يحيى ، عن أبي سلمة ، قال : نبئت أن عبادة بن الصامت سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنيَا وفِي الاَخِرَةِ فقال : «سألْتَنِي عَنْ شَيْءٍ ما سأَلَنِي عَنْهُ أحَدٌ قَبْلَكَ هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها الرّجُلُ أوْ تُرَى لَهُ » .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن عطاء بن يسار ، عن رجل من أهل مصر ، عن أبي الدرداء : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ قال : سأل رجل أبا الدرداء عن هذه الآية ، فقال : لقد سألتني عن شيء ما سمعت أحدا سأل عنه بعد رجل سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها الرّجُلُ المُسْلِمُ أوْ تُرَى لَهُ ، بُشْرَاهُ فِي الحَياةِ الدّنْيا ، وبُشْرَاهُ فِي الاَخِرَةِ الجَنّةُ » .
حدثني سعيد بن عمرو السكوني ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن سفيان ، عن ابن المنكدر ، عن عطاء بن يسار ، عن رجل من أهل مصر ، قال : سألت أبا الدرداء عن هذه الآية : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ فقال : ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرك ، إلا رجلاً واحدا سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «ما سأَلَنِي عَنْها أحَدٌ مُنْذُ أنْزَلَها اللّهُ غيرَكَ إلاّ رَجُلاً وَاحِدا ، هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها المُسْلِمُ أوْ تُرَى لَهُ » .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن المنكدر ، سمع عطاء بن يسار ، يخبر عن رجل من أهل مصر ، أنه سأل أبا الدرداء عن : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ ثم ذكر نحو حديث سعيد بن عمرو السكوني ، عن عثمان بن سعيد .
حدثني أبو حميد الحمصي أحمد بن المغيرة ، قال : ثني يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا عمر بن عمرو بن عبد الأخموشي ، عن حميد بن عبد الله المزني ، قال : أتى رجل عبادة بن الصامت ، فقال : آية في كتاب الله أسألك عنها ، قول الله تعالى : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ ؟ فقال عبادة : ما سألني عنها أحد قبلك ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مثل ذلك : «ما سأَلَنِي عَنْها أحَدٌ قَبْلَكَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها العَبْدُ المُؤْمِنُ فِي المَنامِ أوْ تُرَى لَهُ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا هشام ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الرّؤْيا الحَسَنَةُ هِيَ البُشْرَى يَرَاها المُسْلِمُ ، أو تُرَى لَهُ » .
قال : حدثنا أبو بكر ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، قال : قال أبو هريرة : الرؤيا الحسنة بشرى من الله ، وهي المبشرات .
حدثنا محمد بن حاتم المؤدّب ، قال : حدثنا عمار بن محمد ، قال : حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا : «الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها العَبْدُ الصّالِحُ أوْ تُرَى لَهُ ، وَهِيَ فِي الاَخِرَةِ الجَنّةُ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا محمد بن يزيد ، قال : حدثنا رشدين بن سعد ، عن عمرو بن الحرث ، عن أبي الشيخ ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا : «الرّوْيا الصّالِحَةُ يُبَشّرُ بِها العَبْدُ جُزْءٌ مِنْ تِسْعَةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النّبُوّةِ » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا موسى بن عبيدة ، عن أيوب بن خالد بن صفوان ، عن عبادة بن الصامت ، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ فقد عرفنا بشرى الاَخرة ، فما بشرى الدنيا ؟ قال : «الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها العَبْدُ أوْ تُرَى لَهُ ، وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أرْبَعَةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءًا ، أوْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النّبُوّةِ » .
حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : حدثنا أبو عمرو ، قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن عبادة بن الصامت ، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا فقال : «لَقَدْ سأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ ما سألَنِي عَنْهُ أحَدٌ مِنْ أُمّتِي قَبْلَكَ هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها المُسْلِمُ أوْ تُرَى لَهُ ، وفِي الاَخِرَةِ الجَنّةُ » .
حدثنا أحمد بن حماد الدولابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، عن أبيه ، عن سباع بن ثابت ، عن أم كرز الكعبية ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «ذَهَبَتِ النّبُوّةُ وَبَقِيَتِ المُبَشّرَاتُ » .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن الأعمش ، عن ذكوان ، عن رجل ، عن أبي الدرداء ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، في قوله : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا قال : «الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها المُسْلِمُ أوْ تُرَى لَهُ ، وفِي الاَخِرَةِ الجَنّةُ » .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن عطاء بن يسار ، عن رجل كان بمصر ، قال : سألت أبا الدرداء عن هذه الآية : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ فقال أبو الدرداء : ما سألني عنها أحد منذ سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «ما سألَنِي عَنْها أحَدٌ قَبْلَكَ هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها المُسْلِمُ أوْ تُرَى لَهُ ، وفي الاَخِرَةِ الجَنّةُ » .
قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي الدرداء ، قال : سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم عن قوله : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ قال : «ما سألَنِي عَنْها أحَدٌ غيرُكَ هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها المْسْلِمُ أوْ تُرَى لَهُ » .
قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي الدرداء في قوله : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ قال : سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «ما سألَنِي عَنْها أحَدٌ قَبْلَكَ هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها العَبْدُ أوْ تُرَى لَهُ ، وفِي الاَخِرَةِ الجَنّةُ » .
قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي صالح ، قال ابن عيينة ثم سمعته من عبد العزيز ، عن أبي صالح السمان ، عن عطاء بن يسار ، عن رجل من أهل مصر ، قال : سألت أبا الدرداء عن هذه الآية : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا قال : ما سألني عنها أحد منذ سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «ما سأَلَنِي عَنْها أحَدٌ مُنْذُ أنْزِلَتْ عَليّ إلاّ رَجُلٌ وَاحِدٌ هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها الرّجُلُ أوْ تُرَى لَهُ » .
قال : حدثنا عبد الله بكر السهمي ، عن حاتم بن أبي صغيرة ، عن عمرو بن دينار : أنه سأل رجلاً من أهل مصر فقيها قدم عليهم في بعض تلك المواسم ، قال : قلت : ألا تخبرني عن قول الله تعالى : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا ؟ قال : سألت عنها أبا الدرداء ، فأخبرني أنه سأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «هِيَ الرّؤْيا الحَسَنَة يَرَاها العَبْد أوْ تُرَى لَهُ » .
قال : حدثنا أبي ، عن عليّ بن مبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عبادة بن الصامت ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا قال : «هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها العَبْد أوْ تُرَى لَهُ » .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم وأبو الوليد الطيالسي ، قالا : حدثنا أبان ، قال : حدثنا يحيى ، عن أبي سلمة ، عن عبادة بن الصامت ، قال : قلت : يا رسول الله ، قال الله تعالى : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ ؟ فقال : «لَقَدْ سألْتَنِي عَنْ شَيْءٍ ما سألَنِي عَنْهُ أحَدٌ قَبْلَكَ أوْ أحَدٌ مِنْ أُمّتِي » قالَ : «هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها الرّجُلُ الصّالِحُ أوْ تُرَى لَهُ » .
قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي صالح ، قال : سمعت أبا الدرداء ، وسئل عن : الّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتّقُونَ لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنيَا قال : ما سألني عنها أحد قبلك منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ، فقال : «ما سألَنِي عَنْها أحَدٌ قَبْلَكَ هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها العَبْدُ أوْ تُرَى لَهُ » .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، عن نافع بن جبير ، عن رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، في قوله : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا قال : «هِيَ الرّؤْيا الحَسَنَةُ يَرَاها الإنْسانُ أوْ تُرَى لَهُ » .
وقال : ابن جريج عن عمرو بن دينار ، عن أبي الدرداء ، أو ابن جريج عن محمد بن المنكدر ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي الدرداء ، قال : سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم عنها ، فقال : «هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ » . وقال ابن جريج ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : هي الرؤيا يراها الرجل .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، قال : هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبدة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا قال : هي الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح .
قال : حدثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له .
قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن طلحة القناد ، عن جعفر بن أبي المُغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا قال : هي الرؤيا الحسنة يراها العبد المسلم لنفسه أو لبعض إخوانه .
قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : كانوا يقولون : الرؤيا من المبشرات .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن قيس بن سعد . أن رجلاً سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عنها ، فقال : «ما سألَنِي عَنْها أحَدٌ مِنْ أمّتِي مُنْذُ أنْزِلَتْ عَليّ قَبْلَكَ » . قال : «هِيَ الرّؤْيا الصّالِحَة يَرَاها الرّجُل لِنَفْسِهِ أوْ تُرَى لَه » .
قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن العوّام ، عن إبراهيم التيمي ، أن ابن مسعود قال : ذهبت النبوّة ، وبقيت المبشرات ، قيل : وما المبشرات ؟ قال : الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له .
قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا فهو قوله لنبيه : وَبَشّرِ المُؤْمِنِينَ بأنّ لَهُمْ مِنَ اللّهِ فَضْلاً كَبِيرا قال : هي الرؤيا الحسنة يراها المؤمن أو ترى له .
قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا محمد بن حرب ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن خالد بن يزيد ، عن عطاء ، في قوله : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا قال : هي رؤيا الرجل المسلم يبشر بها في حياته .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، أن درّاجا أبا السمح حدثه عن عبد الرحمن بن جبير ، عن عبد الله بن عمرو ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّهُ قال : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا : «الرّؤْيا الصّالِحَة يُبَشّر بِها المُؤمِنُ جُزْءا مِنْ سِتّةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النّبُوّةِ » .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا أنس بن عياض ، عن هشام ، عن أبيه في هذه الآية : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ قال : هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له .
حدثنا محمد بن عوف ، قال : حدثنا أبو المغيرة ، قال : حدثنا صفوان ، قال : حدثنا حميد بن عبد الله : أن رجلاً سأل عبادة بن الصامت عن قول الله تعالى : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وفِي الاَخِرَةِ فقال عبادة : لقد سألتني عن أمر ما سألني عنه أحد قبلك ، ولقد سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سألتني فقال لي : «يا عُبادَةُ لَقَدْ سألْتَنِي عَنْ أمْرٍ ما سألَنِي عَنْهُ أحَدٌ مِنْ أُمّتِي تِلْكَ الرّؤْيا الصّالِحَةُ يَرَاها المُؤْمِنُ لِنَفْسِهِ أوْ تُرَى لَهُ » .
وقال آخرون : هي بشارة يبشر بها المؤمن في الدنيا عند الموت . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري وقتادة : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا قال : هي البشارة عند الموت في الحياة الدنيا .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يعلى ، عن أبي بسطام ، عن الضحاك : لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا قال : يعلم أين هو قبل الموت .
وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أن لأوليائه المتقين البشرى في الحياة الدنيا ، ومن البشارة في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرَى له منها بشرى الملائكة إياه عند خروج نفسه برحمة الله ، كما رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : «إنّ المَلائِكَةَ التي تَحْضُرُه عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسِهِ ، تَقُولُ لَنْفْسِهِ : اخْرُجي إلى رَحْمَةِ اللّهِ وَرِضْوَانِهِ » . وَمنها : بشرى الله إياه ما وعده في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الثواب الجزيل ، كما قال جلّ ثناؤه : وبَشّرِ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ أنّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ . . . الآية . وكلّ هذه المعاني من بشرى الله إياه في الحياة الدنيا بشره بها ، ولم يخصص الله من ذلك معنى دون معنى ، فذلك مما عمه جلّ ثناؤه أن لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياةِ الدّنْيا وأما في الاَخرة فالجنة .
وأما قوله : لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ فإن معناه : إن الله لا خلف لوعده ولا تغيير لقوله عما قال ولكنه يمضي لخلقه مواعيده وينجزها لهم . وقد :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية عن أيوب ، عن نافع ، قال : أطال الحجاج الخطبة ، فوضع ابن عمر رأسه في حجري ، فقال الحجاج : إن ابن الزبير بدّل كتاب الله فقعد ابن عمر فقال : لا تستطيع أنت ذاك ولا ابن الزبير لا تَبْدْيِلَ لِكَلِماتِ اللّهِ . فقال الحجاج : لقد أوتيت علما أن تفعل . قال أيوب : فلما أقبل عليه في خاصة نفسه سكت .
وقوله : ذلكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ يقول تعالى ذكره : هذه البشرى في الحياة الدنيا وفي الاَخرة هي الفوز العظيم ، يعني الظفر بالحاجة والطلبة والنجاة من النار .
إشارة الآية إلى تولي الله إياهم بالكرامة بقوله : { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } . وتعريف { البشرى } تعريف الجنس فهو صادق ببشارات كثيرة .
و { في الحياة الدنيا وفي الآخرة } حال من { البشرى } . والمعنى : أنهم يبشرون بخيرات قبل حصولها : في الدنيا بما يتكرر من البشارات الواردة في كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وفي الآخرة بما يتلقونه من الملائكة وما يسمعونه من أمر الله بهم إلى النعيم المقيم ، كقوله : { وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات } [ البقرة : 25 ] .
وروى الترمذي عن أبي الدرداء أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى : { لهم البشرى في الحياة الدنيا } فقال : " ما سألني عنها أحد غيرك منذ أنزلت فهي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أوْ ترى له " قال الترمذي : وليس فيه عطاء بن يسار أي ليس في الحديث أن أبا صالح يرويه عن عطاء بن يسار كما هو المعروف في رواية أبي صالح إلى أبي الدرداء ، وعليه فالحديث منقطع غير متصل السند . وقد رواه الترمذي بسندين آخرين فيهما عطاء بن يسار عن رجل من أهل مِصر عن أبي الدرداء وذلك سند فيه مجهول ، فحالة إسناد هذا الخبر مضطربة لظهور أن عطاء لم يسمعه من أبي الدرداء .
ومحمل هذا الخبر أن الرؤيا الصالحة من جملة البشرى في الحياة الدنيا لأنها تؤذن صاحبها بخير مستقبل يحصل في الدنيا أحرى الآخرة ، أو كأن السائل سأل عن بشرى الحياة فأما بشرى الآخرة فكانت معروفة بقوله : { يبشرهم ربهم برحمة منه } [ التوبة : 21 ] الآية ونحوها من الآيات .
وفي « الموطأ » عن هشام بن عروة عن أبيه كان يقول في هذه الآية { لهم البُشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } قال : هي الرؤيا الصالحة يَراها الرجل أوْ تُرى له . ومن البشرى الوعد بأن لهم عاقبة النصر على الأعداء ، وتمكينُهم من السلطان في الدنيا ، وأن لهم النعيم الخالد في الآخرة .
ومقابلة الحَزَن بالبشرى من محسنات الطباق .
وجملة : { لا تبديل لكلمات الله } مبينة لمعنى تأكيد الوعد الذي تضمنه قوله : { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } ، تذكيراً لهم بأن ما وعدهم الله به من البشائر مثل النصر وحسن العاقبة أمر ثابت لا يتخلف لأنه من كلمات الله ، وقد نفي التبديل بصيغة التبرئة الدالة على انتفاء جنس التبديل .
والتبديل : التغيير والإبطال ، لأن إبطال الشيء يستلزم إيجاد نقيضه .
و { كلمات الله } الأقوال التي أوحى بها إلى الرسول في الوعد المشار إليه ، ويؤخذ من عموم { كلمات الله } وعموم نفي التبديل أن كل ما هو تبديل منفي من أصله .
رُوي أن الحجاج خطب فذكر عبد الله بن الزبير فقال : إنه قد بَدَّل كتاب الله . وكان ابن عمر حاضراً فقال له ابن عمر : لا تطيق ذلك أنت ولا ابنُ الزبير : { لا تبديل لكلمات الله } .
وجملة { ذلك هو الفَوْز العظيم } مؤكدة لجملة { لهم البشرى } ومقررة لمضمونها فلذلك فُصلت .
والإشارة بذلك إلى المذكور من مضمون الجمل الثلاث المتقدمة ، واختيار اسم الإشارة لأنه أجمع لما ذُكر ، وفيه كمال تمييز له لزيادة تقرير معناه . وذكرُ ضمير الفصل بعد اسم الإشارة لزيادة التأكيد ولإفادة القصر ، أي هو الفوز العظيم لا غيرُه مما يتقلب فيه المشركون في الحياة الدنيا من رزق ومنَعَة وقوة ، لأن ذلك لا يعد فوزاً إذا عاقبته المذلة والإهانة في الدنيا وبعدَه العذاب الخالد في الآخرة ، كما أشار إليه قوله تعالى : { لا يغرَّنَّك تقلُّب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد } [ آل عمران : 196 ، 197 ] .