التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (64)

وقوله - سبحانه - { لَهُمُ البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة } زيادة تكريم وتشريف لهم .

والبشرى والبشارة : الخبر السار ، فهو أخص من الخبر ، وسمى بذلك لأن أثره يظهر على البشرة وهى ظاهر جلد الإِنسان ، فيجعله متهلل الوجه ، منبسط الأسارير ، مبتهج النفس .

أى : لهم ما يسرهم ويسعدهم في الدنيا من حياة آمنة طيبة ، ولهم - أيضاً - في الآخرة ما يسرهم من فوز برضوان الله ، ومن دخول جنته .

قال الآلوسى ما ملخصه : " والثابت في أكثر الروايات ، أن البشرى في الحياة الدنيا ، هي الرؤيا الصالحة . . فقد أخرد الطيالسي وأحمد الدارمي والترمذي . . وغيرهم عن عبادة بن الصامت قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله - تعالى - { لَهُمُ البشرى في الحياة الدنيا } فقال : " هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له " .

وقيل المراد بالبشرى : البشرى العاجلة نحو النصر والغنيمة والثناء الحسن ، والذكر الجميل ، ومحبة الناس ، وغير ذلك .

ثم قال : وأنت تعلم أنه لا ينبغي العدول عما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تفسير ذلك إذا صح . وحيث عدل من عدل لعدم وقوفه على ذلك فيما أظن ، فالأولى أن تحمل البشرى في الدارين على البشارة بما يحقق نفي الخوف والحزن كائناً ما كان . . . "

وقوله : { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله } أى : لا تغيير ولا خلف لأقوال الله - تعالى - ولا لما وعد به عباده الصالحين من وعود حسنة ، على رأسها هذه البشرى التي تسعدهم في الحياة الدنيا وفى الآخرة .

واسم الإِشارة في قوله - تعالى - { ذلك هُوَ الفوز العظيم } يعود إلى ما ذكر من البشرى في الدارين .

أى : ذلك المذكور من أن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة ، هو الفوز العظيم الذي لا فوز وراءه ، والذي لا يفوته نجاح أو فضل .

هذا ، وقبد نقل الشيخ القاسمي - رحمه الله - كلاما حسنا من كتاب " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان " فقال ما ملخصه :

هذه الآيات أصل في بيان أولياء الله ، وقد بين - سبحانه - في كتابه ، وبين رسوله في سنته أن الله أولياء من الناس ، كما أن للشيطان أولياء .

وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن ، وأولياء الشيطان ، فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء ، كما فرق الله ورسوله بينهما ، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون . كما في هذه الآية ، وفى الحديث الصحيح : " من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ، أو فقد آذنته بالحرب . . . "

والولاية ضد العداوة ، وأصل الولاية المحبة والقرب ، وأصل العداوة البغض والبعد ، وأفضل أولياء الله هم أنبياؤه ، وأفضل أنبيائه هم المرسلون منهم ، وأفضلهم محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين . . فلا يكون وليا إلا من آمن به واتبعه ، ومن خالفه كان من أولياء الشيطان . . .

وإذا كان أولياء الله هم المؤمنون المتقون ، فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله - تعالى - فمن كان أكمل إيماناً وتقوى ، كان أكمل ولاية لله .

فالناس متفاضلون في ولاية الله - عز وجل - بحسب تفاضلهم في الإِيمان والتقوى .

ومن أظهر الولاية وهو لا يؤدي الفرائض ، ولا يجتنب المحارم ، كان كاذباً في دعواه ، أو كان مجنوناً .

وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات ، فلا يتميزون بلباس دون لباس ، ولا بحلق شعر أو تقصير . . بل يوجدون في جميع طبقات الأمة . فيوجدون في أهل القرآن ، وأهل العلم ، وفى أهل الجهاد والسيف ، وفى التجار والزراع والصناع . . .

وليس من شرط الولي أن يكون معصوماً لا يغلط ولا يخطئ ، بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة ، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين . . .