السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (64)

ولما نفى الله عنهم الخوف والحزن زادهم فقال تعالى مبيناً لتوليته لهم بعد أن شرع بتوليتهم له : { لهم البشرى } أي : الكاملة { في الحياة الدنيا وفي الآخرة } أمّا البشرى في الدنيا ففسرت بأشياء منها : الرؤيا الصالحة ، فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال : «البشرى هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له » . وقال صلى الله عليه وسلم «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات » وقال : «الرؤيا الصالحة من الله ، والحلم من الشيطان ، فإذا حلم أحدكم حلماً يخافه فليتعوّذ منه وليبصق عن شماله ثلاث مرّات فإنه لا يضرّه » . وقال : «الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة » ومنها : محبة الناس له ، وذكرهم إياه في الثناء الحسن . وعن أبي ذرّ قال : قلت : يا رسول الله ، إنّ الرجل يعمل العمل لله ويحبه الناس فقال : «تلك عاجل بشرى المؤمن » . ومنها : البشرى لهم عند الموت ، قال تعالى : { تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة } [ فصلت ، 30 ] . وأمّا البشرى في الآخرة فتلقي الملائكة إياهم مسلمين مبشرين بالفوز والكرامة ، وما يرونه من بياض وجوههم ، وإعطاء الصحائف بأيمانهم ، وما يقرؤون منها ، وسلام الله تعالى عليهم كما قال تعالى : { سلامٌ قولاً من ربَ رحيم } [ يس ، 58 ] وغير ذلك من المبشرات بما بشر الله تعالى به عباده المتقين في كتابه ، وعلى ألسنة أنبيائه من جنته وكريم ثوابه ، فإن لفظ البشارة مشتق من خبر سار يظهر أثره في بشرة الوجه ، فكل ما كان كذلك دخل في هذه الآية ، ثم إنه تعالى لما ذكر صفة أوليائه وشرح أحوالهم قال تعالى : { لا تبديل } أي : بوجه من الوجوه { لكلمات الله } أي : لا تغيير لأقواله ولا إخلاف لمواعيده ، والكلمة والقول سواء ، ونظيره قوله تعالى : { ما يبدّل القول لديّ } [ ق ، 29 ] . وقوله تعالى : { ذلك } إشارة إلى كونهم مبشرين في الدارين { هو الفوز العظيم } هذه الجملة والتي قبلها اعتراض لتحقق المبشر به وتعظيم شأنه ، وليس من شرطه أن يقع بعده كلام يتصل بما قبله .