البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (64)

وبشراهم في الحياة الدنيا تظاهرت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنها الرؤيا الصالحة يراها المؤمن " أو «ترى له » فسرها بذلك وقد سئل .

وعنه في صحيح مسلم : " لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة " وقال قتادة والضحاك : هي ما يبشر به المؤمن عند موته وهو حي عند المعاينة .

وقيل : هي محبة الناس له ، والذكر الحسن .

وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يعمل العمل لله ويحبه الناس : فقال : " تلك عاجل بشرى المؤمن " وعن عطاء : لهم البشرى عند الموت تأتيهم الملائكة بالرحمة .

قال تعالى : { تتنزل عليهم الملائكة } الآية قال ابن عطية : ويصح أن تكون بشرى الدنيا في القرآن من الآيات المبشرات ، ويقوي ذلك قوله في هذه الآية : لا تبديل لكلمات الله ، وإن كان ذلك كله يعارضه قول النبي صلى الله عليه وسلم :

« هي الرؤيا » إلا إن قلنا : إنّ النبي صلى الله عليه وسلم أعطى مثالاً من البشرى وهي تعم جميع البشر .

وبشراهم في الآخرة تلقى الملائكة إياهم مسلمين مبشرين بالنور والكرامة ، وما يرون من بياض وجوههم ، وإعطاء الصحف بأيمانهم ، وما يقرأون منها ، وغير ذلك من البشارات .

لا تبديل لكلمات الله ، لا تغيير لأقواله ، ولا خلف في مواعيده كقوله : { ما بيدّل القول لديّ } والظاهر أنّ ذلك إشارة إلى التبشير والبشرى في معناه .

قال الزمخشري : وذلك إشارة إلى كونهم مبشرين في الدارين .

وقال ابن عطية : إشارة إلى النعيم الذي وقعت به البشرى .