الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (64)

وقوله تعالى : { لَهُمُ البشرى } [ يونس : 64 ] .

أَمَّا بشرَى الآخرة ، فهي بالجنَّةِ ؛ بلا خلاف قولاً واحداً ، وذلك هو الفَضْل الكبير ، وأَمَّا بُشْرَى الدنيا ، فَتَظاهَرَت الأَحاديث من طرق ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أَنَّهَا ( الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ أَوْ تُرَى لَهُ ) ، وقال قتادة والضَّحَّاك : البُشْرَى في الدنيا : هِيَ ما يُبَشَّرُ به المؤمنُ عِنْد موته ، وهو حَيٌّ عند المعاينة ، ويصح أنْ تكون بُشْرَى الدنيا ما في القرآن من الآيات المبشِّرات ؛ ويقوَّى ذلك بقوله : { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله } ، ويؤوَّل قوله صلى الله عليه وسلم : «هِيَ الرُّؤْيَا » أنه أعطَى مثالاً يعمُّ جميع الناس .

وقوله سبحانه : { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله } : يريد لا خُلْفَ لمواعيده ، ولا رَدَّ في أمره ، وقد أخذ ذلك ابنُ عُمَرَ علَى نحو غَيْرِ هذا ، وجَعَلَ التبديلَ المنفيَّ في الألفاظ ، وذلك أنَّه روي أَنَّ الحجاج خَطَبَ ، فَقَالَ : أَلاَ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْر قَدْ بَدَّلَ كِتَابَ اللَّهِ ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : إِنَّكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ أَنْتَ ، وَلاَ ابن الزُّبَيْرِ ؛ { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ } ، وقد رُوِيَ هذا النظرُ عن ابن عباس في غيرِ مُقَاوَلَةِ الحَجَّاجِ ، ذكره البخاريُّ .