قوله تعالى : { إنما النسيء زيادة في الكفر } ، قيل : هو مصدر كالسعير والحريق . وقيل : هو مفعول كالجريح والقتيل ، وهو من التأخير . ومنه النسيئة في البيع ، يقال : أنسأ الله من أجله أي أخر ، وهو ممدود مهموز عند أكثر القراء ، وقرأ ورش عن نافع من طريق البخاري : بتشديد الياء من غير همز ، وقد قيل : أصله الهمزة فخفف . وقيل : هو من النسيان على معنى المنسي أي : المتروك . ومعنى النسيء : هو تأخير تحريم شهر إلى شهر آخر ، وذلك أن العرب كانت تعتقد تعظيم الأشهر الحرم ، وكأن ذلك مما تمسكت به من ملة إبراهيم عليه السلام ، وكانت عامة معيشهم من الصيد والغارة ، فكان يشق عليهم الكف عن ذلك ثلاثة أشهر على التوالي ، وربما وقعت لهم حرب في بعض الأشهر الحرم فيكرهون تأخير حربهم ، فنسؤوا أي : أخروا تحريم ذلك الشهر إلى شهر آخر ، وكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر ، فيحرمون صفر ويستحلون المحرم ، فإذا احتاجوا إلى تأخير تحريم صفر أخروه إلى ربيع ، هكذا شهرا بعد شهر ، حتى استدار التحريم على السنة كلها . فقام الإسلام وقد رجع المحرم إلى موضعه الذي وضعه الله عز وجل فيه ، وذلك بعد دهر طويل ، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجته . كما : أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف الفربري ، ثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا محمد بن سلام ، ثنا عبد الواحد ، ثنا عبد الوهاب ، ثنا أيوب عن محمد بن سيرين ، عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان " . وقال : " أي شهر هذا ؟ قلنا الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، فقال : أليس ذا الحجة ؟ قلنا : بلى ، قال : أي بلد هذا ؟ قلنا الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، فقال : أليس البلد الحرام ؟ قلنا : بلى ، قال : فأي يوم هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : أليس يوم النحر ؟ قلنا : بلى ، قال : فإن دماءكم وأموالكم ، قال محمد : أحسبه قال : وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض ، ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه ، ألا هل بلغت ألا هل بلغت " ؟ قالوا : وكان قد استمر النسيء بهم ، فكانوا ربما يحجون في بعض السنين في شهر ويحجون من قابل في شهر آخر . قال مجاهد : كانوا يحجون في كل شهر عامين ، فحجوا في شهر ذي الحجة عامين ، ثم حجوا في المحرم عامين ، ثم حجوا في صفر عامين ، وكذلك في الشهور ، فوافقت حجة أبي بكر رضي الله عنه فوافق حجة شهر الحج الشروع وهو ذو الحجة ، فوقف بعرفة يوم التاسع ، وخطب اليوم العاشر بمنى ، وأعلمهم أن أشهر النسيء قد تناسخت باستدارة الزمان ، وعاد الأمر إلى ما وضع الله عليه حساب الأشهر يوم خلق الله السماوات والأرض ، وأمرهم بالمحافظة عليه لئلا يتبدل في مستأنف الأيام . واختلفوا في أول من نسأ النسيء : فقال ابن عباس والضحاك وقتادة ومجاهد : أول من نسأ النسيء بنو مالك بن كنانة ، وكانوا ثلاثة : أبو ثمامة جناد بن عوف بن أمية الكناني . وقال الكلبي : أول من فعل ذلك رجل من بني كنانة يقال : له نعيم بن ثعلبة ، وكان أميرا على الناس بالموسم ، فإذا هم الناس بالصدر ، قام فخطب الناس فقال : لا مرد لما قضيت ، أنا الذي لا أعاب ولا أجاب ، فيقول له المشركون : لبيك ، ثم يسألونه أن ينسأهم شهرا يغيرون فيه ، فيقول : فإن صفرا العام حرام ، فإذا قال ذلك حلوا الأوتار ، ونزعوا الأسنة والأزجة ، وإن قال حلال عقدوا الأوتار ، وشدوا الأزجة ، وأغاروا . وكان من بعد نعيم بن ثعلبة رجل يقال له : جنادة بن عوف ، وهو الذي أدركه النبي صلى الله عليه وسلم . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هو رجل من بني كنانة يقال له : القلمس ، قال شاعرهم :
وفينا ناسئ الشهر القلمس *** . . .
وكانوا لا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة إذا اجتمعت العرب للموسم . وقال جوبير عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : إن أول من سن النسيء عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثني زهير بن حرب ، ثنا جرير عن سهيل ، عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبا بني كعب ، وهو يجر قصبه في النار " . فهذا الذي ذكرنا هو النسيء الذي ذكره الله تعالى فقال : { إنما النسيء زيادة في الكفر } ، يريد زيادة كفر على كفرهم .
قوله تعالى : { يضل به الذين كفروا } ، قرأ حمزة والكسائي و حفص : يضل بضم الياء وفتح الضاد ، كقوله تعالى : { زين لهم سوء أعمالهم } ، وقرأ يعقوب بضم الياء وكسر الضاد ، وهي قراءة الحسن و مجاهد على معنى يضل به الذين كفروا الناس ، وقرأ الآخرون بفتح الياء وكسر الضاد ، لأنهم هم الضالون لقوله : { يحلونه } ، يعني النسيء { عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا } ، أي : ليوافقوا ، والمواطأة : الموافقة .
قوله تعالى : { عدة ما حرم الله } ، يريد أنهم لم يحلوا شهرا من الحرام ، لئلا يكون الحرام أكثر من أربعة أشهر ، كما حرم الله فيكون موافقة العدد ، { فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم } ، قال ابن عباس : زين لهم الشيطان ، { والله لا يهدي القوم الكافرين } .
ثم نعى - سبحانه - على ما كانوا يفعلون من تحليل وتحريم للشهور على حسب أهوائهم . . فقال تعالى : { إِنَّمَا النسيء زِيَادَةٌ فِي الكفر . . . } والنسئ : مصدر بزنة فعيل مأخوذ من نسأ الشئ إذا أخره .
ومنه نسأت الإِبل عن الحوض إذا أخرتها عنه . ومنه أنسأ الله في أجل فلان ، أى : أخره والمراد به : تأخبر حرمة شهر إلى شهر آخر .
وقد أشار صاحب الكشاف إلى الأسباب التي جعلت المشركين يحلون الأشهر الحرم فقال : " كانوا أصحاب حروب وغارات ، فإذا جاء الشهر الحرام وهم محاربون شق عليهم ترك المحاربة ، فيحلونه ويحرمونه مكانه شهر آخر - وكان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر لا يغيرون فيها - حتى رفضوا تخصيص الأشهر الحرم بالتحريم ؛ فكانوا يرحمون من شتى شهور العام أربعة أشهر ، وذلك قوله { لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله } أى ليوافقو العدة التي هي الأربعة ولا يخالفوها وقد خالفوا التخصيص الذي هو أحد الواجبين " .
والمعنى : إنما النسئ الذي يفعله المشركون ، من تأخيرهم حرمة شهر إلى آخر ، { زِيَادَةٌ فِي الكفر } أى : زيادة في كفرهم ؛ لأنهم قد ضموا إلى كفرهم آخر ، هو تحليلهم لما حرمه الله وتحريمهم لما أحله وبذلك يكونون قد جمعوا بين الكفر في العقيدة والكفر في التشريع .
قال القرطبى : وقوله : { زِيَادَةٌ فِي الكفر } بيان لما فعلته العرب من جمعها أنواعا من الكفر ، فإنها أنكرت وجد البارى - تعالى - فقالت : { وَمَا الرحمن } في أصح الوجوه . وأنكرت البعث فقالت { مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ } وأنكرت بعثة الرسل فقالوا : { أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ } وزعمت أن التحليل والتحريم إليها ، فابتدعته من ذاتها مقتفية لشهواتها فأحلت ما حرمه الله : ولا مبدل لكلماته ولو كره المشركون .
وقوله { يُضَلُّ بِهِ الذين كَفَرُواْ } قرأه الكوفيون بضم الياء وفتح الضاد بالبناء للمفعول .
أى : يوقع الذين كفروا بسبب ارتكابهم للنسئ في الضلال والموقع لهم في هذا الضلال كبراؤهم وشياطينهم .
وقرأه أهل الحرمين وأبو عمرو { يُضَلُّ } بفتح الياء وكسر الضاد بالبناء للفاعل .
أى : يضل الله الذين كفروا ، بأن يخلق فيهم الضلال بسبب مباشرتهم لما أدى إليه وهو ارتكابهم للنسئ .
ويصح أن يكون الفاعل هو الذين كفروا أى يضل الذين كفروا عن الحق بسبب استعمالهم للنسئ الذي هو لون من ألوان استحلال محارم الله .
وقوله : { يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً } بيان وتفسير ليكفية ضلالهم .
والضمير المنصوب في { يُحِلُّونَهُ . . وَيُحَرِّمُونَهُ } يعود إلى النسئ ، أى الشهر المؤخر عن موعده .
والمعنى أن هؤلاء الكافرين من مظاهر ضلالهم ، أنهم يحلون الشهر المؤخر عن وقته عاما من الأعوام ، ويحرمون مكانه شهرا آخر ليس من الأشهر الحرم ، وأنهم يحرمونه أى : يحافظون على حرمة الشهر الحرام عاما آخر ، إذا كانت مصحلتهم في ذلك .
والمواطأة : الموافقة . يقال : واطأت فلاناً على كذا إذا وافقته عليه بدون مخالفته .
والمعنى : فعل المشركون ما فعلوه من التحليل والتحريم للأشهر على حسب أهوائهم ، ليوافقوا بما فعلوا عدة الأشهر الحرم ، بحيث تكون أربعة في العدد وإن لم تكن عين الأشهر المحرمة في شريعة الله .
قال ابن عباس : ما أحل المشركون شهراً من الأشهر الحرم إلا حرموا مكانه شهراً من الأشهر الحلال . وما حرموا شهراً من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرا من الأشهر الحرام ، لكى يكون عدد الأشهر الحرم أربعة .
وقوله : { فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ الله } تفريع على ما تقدم .
أى : فيحلوا بتغييرهم الشهور المحرمة ، ما حرمه الله في شره ، فهم وإن كانوا وافقوا شريعة الله في عدد الشهور المحرمة ، إلا أنهم خالفوه في تخصيصها فقد كانوا - مثلا - يستحلون شهر المحرم بدله شهر صفر .
وقوله : { زُيِّنَ لَهُمْ سواء أَعْمَالِهِمْ } ذم لهم على انتكاس بصائرهم ، وسوء تفكيرهم .
أى : زين لهم الشيطان سوء أعمالهم ، فجعلهم يرون العمل القبيح عملا حسنا . وقوله : { والله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين } تذييل قصد به التنفير والتوبيخ للكافرين .
أى : والله تعالى . اقتضت حكمته أن لا يهدى القوم الكافرين إلى طريقه القويم ، لأنهم بسبب سوء اختيارهم استحبوا العمى على الهدى ، وأثروا طريق الغى على طريق الرشاد . . فكان أمرهم فرطا .
هذا ، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هاتين الآيتين ما يأتى .
1- أن السنة اثنا عشر شهراً ، وأن شهور السنة القمرية هي المعول عليها في الأحكام لا شهور السنة الشمسية .
قال الفخر الرازى ، اعلم أن السنة عند العرب عبارة عن اثنى عشر شهراً من الشهور القمرية ، والدليل عليه هذه الآية - { إِنَّ عِدَّةَ الشهور } الآية ، وقوله . تعالى : { هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً والقمر نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب . . . } فجعل تقديره القمر بالمنازل علة للسنين والحساب وذلك إنما يصح إذا كانت السنة معلقة بسير القمر .
وأيضاً قوله . تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهلة قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج } ثم قال : واعلم أن مذهب العرب من الزمان الأول أن تكون السنة قمرية لا شمسية ، وهذا الحكم توارثوه عن إبراهيم وإسماعيل . عليها السلام . فأما عند اليهود والنصارى ، فليس الأمر كذلك . .
وقال الجمل : قوله { اثنا عَشَرَ شَهْراً } هذه شهور السنة القمرية التي هي مبنية على سير القمر في المنازل ، وهى شهور العرب التي يعتد بها المسلمون في صيامهم ومواقيت حجهم وأعيادهم وسائر أمورهم وأحكامهم . وأيام هذه الشهور ثلثمائة وخمسة وخمسون يوماً . والسنة الشمسية عبارة عن دوران الشمس في الفلك دورة تامة ، وهى ثلثمائة وهمسة وستون يوماً . وربع يوم . فتنقص السنة الهلالية عن السنة الشمسية عشرة أيام ، فبسبب هذا النقصان تدور السنة الهلالية فيقع الصوم والحج تارة في الشتاء وتارة في الصيف .
هذا ، وقد تكلم بعض المفسرين عن الشهور القمرية ، وعن سبسب تسميتها بما سميت به فارجع إليه إن شئت .
2- وجوب التقييد بما شعره الله من أحكام بدون زيادة أو نقصان عليها .
قال القرطبى ما ملخصه : وضع - هذه الشهور وسماها بأسمائها على مارتبها عليه يوم خلق السماوات والأرض ، وأنزل ذلك على أنبيائه في كتبه المنزلة ، وهى معنى قوله : { إِنَّ عِدَّةَ الشهور عِندَ الله اثنا عَشَرَ شَهْراً } .
وحكمها باق على ما كانت عليه لم يزلها عن ترتيبها تغيير المشركين لأسمائها ، وتقديم المقدم في الاسم منها .
والمقصود من ذلك اتباع أمر الله فيها ، ورفض ما كان عليه أهل الجاهلية من تأخير أسماء الشهور وتقديمها .
ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - في خطبته في حدة الوداع : " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض " .
ثم قال القرطبى ؛ كانوا يحرمون شهراً فشهراً حتى استدار التحريم على السنة كلها . فقام الإِسلام وقد رجع المحرم إلى موضعه الذي وضعه الله فيه . فهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - " إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض " .
3- أخذ بعضهم من قوله تعالى - { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } أن تحريم القتال في الأشهر الحرم ثابت لم ينسخ ، وأنه لا يصح القتال فيها إلا أن يكون دفاعاً .
قال ابن جريج : حلف بالله عطاء بن أبى رباح أنه ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الأشهر الحرم إلا أن يقاتلوا فيها .
وذهب جمهور العلماء إلى أن تحريم القتال في الأشهر الحرم قد نسخ ، بدليل أن الله - تعالى - بعد أن نهى المؤمين عن أن يظلموا أنفسهم بالقتال فيها أمرهم بقتال المشركين من غير تقيد يزمن فقال { وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً } فدل ذلك على أن القتال في الأشهر الحرم مباح .
وبدليل أن النبى - صلى الله عليه وسلم - حاصر أهل الطائف في شهر حرام وهو شهر ذى القعدة .
قال ابن كثير : ثبت في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى هوزان في شوال ، فلما كسرهم . . لجأوا إلى الطائف ، فعمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف فحاصرهم أربعين يوماً ، وانصرف ولم يفتحها فثبت أنه حاصر في الشهر الحرام - أى . في شهر ذى القعدة .
ثم قال ما ملخصه : وأما قوله - تعالى { وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً } فيحتمل أنه منقطع عما قبله وأنه حكم مستأنف . ويكون من باب التهييج للمؤمنين على قتال أعدائهم . . ويحتمل أنه أذن للمؤمنين بقتال أعدائهم في الشهر الحرام إذا كانت البداءة منهم - أى من الأعداء : كما قال : - تعالى - { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قِصَاصٌ } وكما قال - تعالى - { وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المسجد الحرام حتى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فاقتلوهم } وهكذا الجواب عن حصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الطائف واستصحابه الحصار إلى أن دخل الشهر الحرام ، فإنه من تتمة قتال هوزان وأحلاقها ، فإنهم الذين بدأوا القتال للمسلمين .
. فعند ذلك قصدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما تحصنوا بالطائف ذهب إليهم لينزلهم من حصونهم فنالوا من المسلمين ، وقتلوا جماعة منهم . . واستمر حصار المسلمين لهم أربعين يوماً ، وكان ابتداؤه في شهر حلال ، ودخل الشهر الحرام فاستمر فيه أياما ثم قفل عنهم ، لأنه يغتفر في الدوام مالا يغتفر في الابتداء ، وهذا أم مقرر .
ومن كلام ابن كثير . رحمه الله - نستنتج أنه يميل إلى القول بأن المنهى عنه هو ابتداء القتال في الأشهر الحرم ، لا إتام القتال فيها متى بدأ الاعداء ذلك وهو قريب من قول القائل : لا يحل القتال فيها ولا في الحرم إلا إن يكون دفاعاً .
وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس ، لأنه لم يثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بدأ أعداءه القتال في الأشهر الحرم ، وإنما الثابت أن الأعداء هم الذين ابتدأوا قتال المسلمين فيها ، فكان موقف المسلمين هو الدفاع عن أنفسهم :
4- ذكر المفسرون روايات في أول من أخر حرمة شهر إلى آخر ، فعن مجاهد قال : كان رجل من بنى كنانة يأتى كل عام إلى الموسم على حمار له فيقول : أيها الناس . إنى لا أعاب ولا أخاب ولا مرد لما أقول . إن قد حرمنا المحرم وأخرنا صفر . ثم يجئ العام المقبل بعده فيقول مثل مقالته ويقول : إنا قد حرمنا صفر وأخرنا المحرم .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هذا رجل من بنى كنانة يقال له " القلمس " وكان في الجاهلية . وكانوا في الجاهلية لا يغير بعضهم على بعض في الشهر الحرام . يلقى الرجل قاتل أبيه فلا يمد إليه يده . فلما كان هو قال لقومه : أخرجوا بنا - أى للقتال - فقالوا له : هذا المحرم . قال : ننسئه العام ، هي العام صفران . فإذا كان العام القابل قضينا . . جعلنا هما محرمين .
قال : ففقعل ذلك . فلما كان عام قابل قال : لا تغزوا في صفر . حرموه مع المحرم . هما محرمان .
وقد كان بعض أهل الجاهلية يتفاخر بهذا النسئ ، ومن ذلك قول شاعرهم :
ومنا ناسئ الشهر القلمس . . . قال آخر :
ألسنا الناسئين على معد . . . شهور الحل نجعلها حراما
وقد أبطل الإِسلام كل ذلك ، وأمر بترتيب الشهور على ما رتبها - سبحانه - عليه يوم خلق السماوات والأرض .
وبعد : فهذه سبع وثلاثون آية من أول السورة إلى هنا ، نراها - في مجموعها كما سبق أن بينا - قد حددت العلاقات النهائية بين المسلمين وبين أعدائهم من المشكرين وأهلا لكتاب ، كما نراها قد أبرزت الأسباب التي دعت إلى هذا التحديث بأسلوب حكيم مؤثر ، يقنع العقول ، ويشبع العواطف .
ثم انتقلت السورة بعد ذلك إلى الحديث عن غزوة تبوك وما جرى فيها من أحداث متنوعة . . وقد استغرق هذا الحديث معظم آيات السورة ، لا سيما فيما يتعلق بهتك أستار المنافقين ، والتحذير منهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّمَا النّسِيَءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلّ بِهِ الّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلّونَهُ عَاماً وَيُحَرّمُونَهُ عَاماً لّيُوَاطِئُواْ عِدّةَ مَا حَرّمَ اللّهُ فَيُحِلّواْ مَا حَرّمَ اللّهُ زُيّنَ لَهُمْ سُوَءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } .
يقول تعالى ذكره : ما النسيء إلا زيادة في الكفر ، والنسيء مصدر من قول القائل : نسأت في أيامك ونسأ الله في أجلك : أي زاد الله في أيام عمرك ومدة حياتك حتى تبقى فيها حيّا . وكل زيادة حدثت في شيء ، فالشيء الحادث فيه تلك الزيادة بسبب ما حدث فيه نسيء ولذلك قيل للبن إذا كثر بالماء نسيء ، وقيل للمرأة الحبلى نسوء ، ونُسئت المرأة ، لزيادة الولد فيها وقيل : نسأت الناقة وأنسأتها : إذا زجرتها ليزداد سيرها . وقد يحتمل أن النسيء فعيل صرف إليه من مفعول ، كما قيل : لعين وقتيل ، بمعنى : ملعون ومقتول ، ويكون معناه : إنما الشهر المؤخر زيادة في الكفر . وكأنّ القول الأول أشبه بمعنى الكلام ، وهو أن يكون معناه : إنما التأخير الذي يؤخره أهل الشرك بالله من شهور الحرم الأربعة وتصييرهم الحرام منهن حلالاً والحلال منهنّ حراما ، زيادة في كفرهم وجحودهم أحكام الله وآياته . وقد كان بعض القرّاء يقرأ ذلك : «إنّمَا النّسي » بترك الهمز وترك مده : يُضَلّ بِهِ الّذِينَ كَفَرُوا .
واختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة الكوفيين : يُضِلّ بِهِ الّذِينَ كَفَرُوا بمعنى : يضل الله بالنسيء الذي ابتدعوه وأحدثوه الذين كفروا . وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين : يَضَلّ بِهِ الّذِينَ كَفَرُوا بمعنى : يزول عن حجة الله التي جعلها لعباده طريقا يسلكونه إلى مرضاته الذين كفروا . وقد حُكي عن الحسن البصري : يُضِلّ بِهِ الّذِينَ كَفَرُوا بمعنى : يضلّ بالنسيء الذي سنة الذين كفروا ، الناس .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : هما قراءتان مشهورتان ، قد قرأت بكلّ واحدة القرّاء أهل العلم بالقرآن والمعرفة به ، وهما متقاربتا المعنى ، لأن من أضله الله فهو ضالّ ومن ضلّ فبإضلال الله إياه وخذلانه له ضلّ ، فبأيتهما قرأ القارىء فهو للصواب في ذلك مصيب . وأما الصواب من القراء في النسيء ، فالهمز ، وقراءته على تقدير فعيل ، لأنها القراءة المستفيضة في قرأة الأمصار التي لا يجوز خلافها فيما أجمعت عليه .
وأما قوله : يُحِلّونَهُ عاما فإن معناه : يحلّ الذين كفروا النسيء ، والهاء في قوله : يُحِلّونَهُ عائدة عليه .
ومعنى الكلام : يحلون الذين أخروا تحريمه من الأشهر الأربعة الحرم عاما ويحرّمونه عاما ، لِيُوَاطِئُوا عِدّةَ ما حَرّمَ اللّهُ يقول : ليوافقوا بتحليلهم ما حللوا من الشهور وتحريمهم ما حرّموا منها ، عدّة ما حرّم الله فَيْحِلّوا ما حَرّمَ اللّهُ زُيّنَ لَهُمْ سُوءُ أعمالِهِمُ يقول : حسن لهم وحبّب إليهم سيىء أعمالهم وقبيحها وما خولف به أمر الله وطاعته . وَاللّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الكافِرِينِ يقول : والله لا يوفّق لمحاسن الأفعال وحلها وما لله فيه رضا ، القوم الجاحدين توحيده والمنكرين نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكنه يخذلهم عن الهدى كما خذل هؤلاء الناس عن الأشهر الحرم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إنّمَا النّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ قال : النسيء : هو أن جنادة بن عوف بن أمية الكناني كان يوافي الموسم في كل عام ، وكان يكنى أبا ثمامة ، فينادي : ألا إن أبا ثمامة لا يْحَابُ ولا يعاب ، ألا وإن صفر العام الأوّل حلال فيحلّه الناس ، فيحرّم صفر عاما ، ويحرّم المحرّم عاما ، فذلك قوله تعالى : إنّمَا النّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ . . . إلى قوله : الكَافِرينَ . وقوله : إنّمَا النّسِىءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ يقول : يتركون المحرّم عاما ، وعاما يحرّمُونه .
قال أبو جعفر : وهذا التأويل من تأويل ابن عباس يدلّ على صحة قراءة من قرأ «النسي » بترك الهمزة وترك المدّ ، وتوجيهه معنى الكلام إلى أنه فعل من قول القائل : نسيت الشيء أنساه ، ومن قول الله : نَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُمْ بمعنى : تركوا الله فتركهم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : إنّمَا النّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ قال : فهو المحرّم كان يحرّم عاما وصفر عاما ، وزيد صفر آخر في الأشهر الحرم ، وكانوا يحرّمون صفرا مرّة ويحلونه مرّة ، فعاب الله ذلك ، وكانت هوزان وغطفان وبنو سليم تفعله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي وائل : إنّمَا النّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ قال : كان النسيء رجلاً من بني كنانة ، وكان ذا رأي فيهم ، وكان يجعل سنة المحرّم صفرا ، فيغزون فيه فيغتنمون فيه ويصيبون ، ويحرّمه سنة .
قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي وائل : إنّمَا النّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ . . . الآية ، وكان رجل من بني كنانة يسمى النسيء ، فكان يجعل المحرّم صفر ويستحل فيه الغنائم ، فنزلت هذه الآية .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا إدريس ، قال : سمعت ليثا ، عن مجاهد ، قال : كان رجل من بني كنانة يأتي كل عام في الموسم على حمار له ، فيقول : أيها الناس إني لا أُعاب ولا أُحاب ، ولا مردّ لما أقول إنا قد حرّمنا المحرّم ، وأخرنا صفر ثم يجيء العام المقبل بعده ، فيقول مثل مقالته ، ويقول : إنا قد حرمنا صفر ، وأخرنا المحرّم فهو قوله : لِيُوَاطِئُوا عِدّةَ ما حَرّمَ اللّهُ قال : يعني الأربعة ، فيحلوا ما حرّم الله لتأخير هذا الشهر الحرام .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : إنّمَا النّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ النسيء : المحرّم ، وكان يحرّم المحرّم عاما ويحرّم صفرا عاما ، فالزيادة صفر ، وكانوا يؤخرون الشهور حتى يجعلون صفر المحرّم ، فيحلوا ما حرّم الله ، وكانت هوزان وغطفان وبنو سليم يعظمونه ، هم الذين كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : إنّمَا النّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ . . . إلى قوله : الكافِرِينَ عمد أناس من أهل الضلالة ، فزادوا صفرا في الأشهر الحرم ، فكان يقوم قائمهم في الموسم ، فيقول : ألا إن آلهتكم قد حرمت العام المحرّم فيحرّمونه ذلك العام . ثم يقول في العام المقبل فيقول : ألا إن آلهتكم قد حرّمت صفر فيحرّمونه ذلك العام . وكان يقال لهما : الصفران . قال : فكان أوّل من نسأ النسيء بنو مالك بن كنانة ، وكانوا ثلاثة : أبو ثمامة صفوان بن أمية أحد بني فقيم بن الحرث ، ثم أحد بني كنانة .
حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : إنّمَا النّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ قال : فرض الله الحجّ في ذي الحجة . قال : وكان المشركون يسمون الأشهر : ذو الحجة ، والمحرّم ، وصفر ، وربيع ، وربيع ، وجمادى ، وجمادى ، ورجب ، وشعبان ، ورمضان ، وشوّال ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، يحجون فيه مرّة ثم يسكتون عن المحرّم فلا يذكرونه ، ثم يعودون فيسمون صفر صفر ، ثم يسمون رجب جمادى الاَخرة ، ثم يسمون شعبان ورمضان ، ثم يسمون رمضان شوالاً ، ثم يسمون ذا القعدة شوّالاً ، ثم يسمون ذا الحجة ذا القعدة ، ثم يسمون المحرّم ذا الحجة فيحجون فيه ، واسمه عندهم ذو الحجة . ثم عادوا بمثل هذه القصة ، فكانوا يحجون في كل شهر عامين ، حتى وافق حجة أبي بكر رضي الله عنه الاَخر من العامين في ذي القعدة . ثم حجّ النبي صلى الله عليه وسلم حجته التي حجّ ، فوافق ذا الحجة ، فذلك حين يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته : إنّ الزّمانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللّهُ السّمَوَاتِ والأرْضَ » .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : إنّمَا النّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ قال : حجوا في ذي الحجة عامين ، ثم حجوا في المحرّم عامين ، ثم حجوا في صفر عامين ، فكانوا يحجون في كل سنة في كل شهر عامين ، حتى وافقت حجة أبي بكر الاَخر من العامين في ذي القعدة قبل حجة النبي صلى الله عليه وسلم بسنة . ثم حجّ النبي صلى الله عليه وسلم من قابل في ذي الحجة . فذلك حين يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته : إنّ الزّمانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللّهُ السّمَوَاتِ والأرْضَ » .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمران بن عيينة ، عن حصين ، عن أبي مالك : إنّمَا النّسِىءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ قال : كانوا يجعلون السنة ثلاثة عشرا شهرا ، فيجعلون المحرّم صفرا ، فيستحلون فيه الحرمات . فأنزل الله : إنّمَا النّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّمَا النّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ يُضَلّ بِهِ الّذِينَ كَفَرُوا . . . الآية . قال : هذا رجل من بني كنانة يقال له القَلَمّس ، كان في الجاهلية ، وكانوا في الجاهلية لا يغير بعضهم على بعض في الشهر الحرام ، يلقى الرجل قاتل أبيه فلا يمدّ إليه يده . فلما كان هو ، قال : اخرجوا بنا قالوا له : هذا المحرم . فقال : ننسئه العام ، هما العام صفران ، فإذا كان عام قابل قضينا فجعلناهما محرمين قال : ففعل ذلك . فلما كان عام قابل ، قال : لا تغزوا في صفر حرّموه مع المحرّم ، هما محرّمان المحرم أنسأناه عاما أوّل ونقضيه ذلك الإنساء . وقال شاعرهم :
*** وَمِنّا مُنْسِيءُ الشّهْرِ القَلَمّسْ ***
وأنزل الله : إنّمَا النّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ . . . إلى آخر الآية .
وأما قوله : زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ فإن معناه : زيادة كفر بالنسيء إلى كفرهم بالله . وقيل ابتداعهم النسيء كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : إنّمَا النّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ يقول : ازدادوا به كفرا إلى كفرهم .
وأما قوله : لِيُوَاطِئُوا فإنه من قول القائل : واطأت فلانا على كذا أواطئه مواطأة : إذا وافقته عليه ، معينا له ، غير مخالف عليه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : لِيُوَاطِئُوا عِدّةَ ما حَرّمَ اللّهُ يقول : يشبهون .
وذلك قريب المعنى مما بيّنا ، وذلك أن ما شابه الشيء فقد وافقه من الوجه الذي شابهه .
وإنما معنى الكلام : أنهم يوافقون بعدة الشهور التي يحرّمونها عدة الأشهر الأربعة التي حرّمها الله ، لا يزيدون عليها ولا ينقصون منها ، وإن قدّموا وأخّروا فذلك مواطأة عدتهم عدّة ما حرّم الله .